للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تفسير قوله تعالى: (هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة)]

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

أما بعد: قال الله عز وجل في سورة غافر: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [غافر:٦٧ - ٦٨].

يخبرنا الله الخالق العظيم سبحانه وتعالى في هاتين الآيتين وفي غيرهما من كتاب الله عز وجل في سورة الحج وفي سورة المؤمنون عن خلق هذا الإنسان، هذا الخلق العجيب الذي كلما قرأه المؤمن أو غير المؤمن وتأمل فيه علم أن هذا هو الحق من عند رب العالمين سبحانه وتعالى، وأنه ليس من عند النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه صلى الله عليه وسلم لم يكن له علم بعلم التشريح حتى يعرف الأجنة التي في بطون أمهاتها، وكيف تتكون في اليوم الأول والثاني، وفي اليوم الثاني والأربعين، وكيف تتكون في الأسبوع الأول، وفي الأسبوع الثاني، وفي غيرهما، فلم يكن عند النبي صلى الله عليه وسلم علم بذلك، لا علماً نظرياً اكتشافياً ولا تجريبياً، وإنما كان ينزل عليه صلى الله عليه وسلم الوحي من السماء فيخبرهم بما أوحي إليه، وقد كان يُسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الشيء الذي لا يعرفه فكان ينتظر الوحي من السماء، فينزل عليه القرآن فيخبره، أو ينزل عليه جبريل من عند الله سبحانه فينبئه أن هذا كذا وكذا، فكان يقول لأصحابه صلى الله عليه وسلم: (لقد سألني هذا وما لي بذلك من علم، فأتاني جبريل فقال لي: كذا وكذا) صلوات الله وسلامه عليه، فلم يكن يدعي أنه هو الذي يعلم ذلك عليه الصلاة والسلام، وإنما كان يرد العلم إلى الله سبحانه.

وكان الله تعالى يخبر النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الأشياء العجيبة المعجزة للخلق فلا يسع من يتأمل ذلك إلا أن يعترف أن هذا وحي من عند الله سبحانه وتعالى، وأنه مستحيل أن يكون قاله النبي صلى الله عليه وسلم من عند نفسه.

يذكر الشيخ الزنداني عن أحد الأطباء المشهورين في علم الأجنة واسمه كيث مور، وهو من أشهر علماء الأجنة في العصر الحديث، وله مؤلفات تعتبر من المراجع في علم الأجنة، أنه تناقش هو ومجموعة من المسلمين في قوله سبحانه: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون:١٢ - ١٤]، وعن هذه الأطوار التي يذكرها الله سبحانه وتعالى، وهل كان يمكن أن يعلمها النبي صلى الله عليه وسلم بغير وحي من السماء؟ فتناقشوا معه حتى أقر الرجل بأن هذا علم من السماء، وأنه ليس من عند النبي صلوات الله وسلامه عليه.

وكان قد طبع من كتابه المؤلف علم الأجنة -وهو مرجع من المراجع- في سنة خمس وتسعين طبعتين، منها طبعة ذكر فيها هذه الآيات، وهذا المعنى الذي في القرآن، وقال: إنه شيء عجيب جداً أن يذكر القرآن منذ ألف وأربعمائة سنة ما لم يعلموه هم إلا في هذه السنوات المتأخرة!

<<  <  ج:
ص:  >  >>