[الصنف الخامس الصابرون والصابرات]
قال تعالى: {وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ} [الأحزاب:٣٥] فهم صبروا على قضاء الله وقدره، وصبروا على أوامر الله فأطاعوه، وصبروا عن نواهي الله سبحانه فاجتنبوها، وانزجروا عنها وتركوها؛ لأنهم يخافون الله سبحانه وتعالى، وإيمانهم ولد في قلوبهم الخشية التي تدفعهم للرضا بقضاء الله سبحانه وقدره، فالإنسان قد يحزن لنزول بلاء به ولا مانع من ذلك، وقد يبكي من ذلك ولا مانع من ذلك أيضاً، لكن أن يتضجر أو أن يتسخط على الله أو أن يتلفظ بما لا يليق فهذا الذي يمنع منه.
ومعلوم أن عين الإنسان تدمع، وقلبه يحزن، ولكن لسانه لا يتكلم إلا بما يرضي ربه سبحانه وتعالى، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، وقد مات ابنه إبراهيم وهو ينظر إليه: (إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا سبحانه وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون).
فقوله تعالى: {وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ} [الأحزاب:٣٥] أي: أن يصبر المؤمن وأن تصبر المؤمنة على البلاء إذا نزل، فلا تصرخ المرأة المؤمنة ولا تنوح، ولا تشق الجيب من شدة المصيبة التي نزلت بها، بل تصبر وتتصبر؛ لأن الله تعالى يقول: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة:٤٥].
فمن صفات الإنسان الخاشع أن يرجع إلى الله في مصيبته ويقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، ولا يتكلم إلا بخير، فإذا وجد في نفسه شيء سكت عن الكلام وانتظر حتى يذهب عنه بعض ما هو فيه، ويشكر الله سبحانه ويقول: إنا لله وإنا إليه راجعون.
والصابر إن صبر على فقد قريب فله عند الله عز وجل الأجر العظيم على صبره فقد يوفقه الله للقائه، فهو لا يدري متى يموت، وكم من إنسان فقد من يحبه ثم مات والتقى بمن يحبه؛ توفيقاً منه سبحانه؛ لذلك فالإنسان المؤمن يصبر لأمر الله سبحانه وتعالى.
وقد علم الإمام الشافعي رحمه الله أن عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله توفي ابن له، وعلم أنه حزن على فراق ابنه، فأرسل الإمام الشافعي إليه يعزيه ويقول له رحمه الله: إني معزيك لا أني على طمع من البقاء ولكن سنة الدين فما المعزى بباق بعد صاحبه ولا المعزي وإن عاشا إلى حين فالإنسان إذا حزن على فراق حبيب له قد يموت بعده، والفرقة لن تكون طويلة جداً، وإن عاش في الدنيا وصبر فله الأجر عند الله سبحانه.
ونحن نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم مات، ومات الصحابة الأفاضل رضوان الله عليهم، فلابد أن نجعل النبي صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة، ونقتدي به صلى الله عليه وسلم، فقد مات كل أولاده في حياته صلى الله عليه وسلم عدا فاطمة رضي الله تبارك وتعالى عنها، ماتت بعده، فكانت من أعظم الصابرين بعد النبي صلوات الله وسلامه عليه، كيف لا وهي التي فقدت أمها وجميع أخواتها وإخوتها في حياتها رضي الله عنها، وقد أوذي النبي صلى الله عليه وسلم بمكة وكان لا يجرؤ أحد أن يقرب منه وهو يؤذى من أهل مكة إلا فاطمة رضي الله عنها، فكانت تخرج لترفع عن أبيها صلوات الله وسلامه عليه ما ألقاه عليه الكفار من سلا بعير ونحوه، وترد عليهم وتشتمهم رضي الله تبارك وتعالى عنها.
فأي صبر أعظم من صبر السيدة فاطمة رضي الله تبارك وتعالى عنها؟! هذه امرأة تقتدي النساء بها رضي الله عنها، لأنها اقتدت برسول الله صلوات الله وسلامه عليه.
كذلك يصبر على الفتن التي يراها أمامه، ويواسي نفسه أنه غداً يلقى الله سبحانه وتعالى، كما كان الصحابة يقولون: غداً نلقى الأحبة محمداً وصحبه.
وكل مصيبة لا بد أن تنقضي، فليس هناك شيء يدوم، فإما أن تزول المصيبة وإما أن يموت الإنسان ويستريح من الدنيا وما فيها، كذلك يستعين الإنسان على الصبر بكثرة قراءته لكتاب الله سبحانه وسنة النبي صلى الله عليه وسلم.