[تفسير قوله تعالى: (رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره)]
قال تعالى: {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ} [غافر:١٥] أي: أن الله رفيع الدرجات سبحانه وتعالى، له الثناء والمجد والمدح العظيم كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه.
و (رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ) بمعنى: أنه على العرش استوى، وأنه فوق عرشه وسماواته، وقد أحاط بكل شيء، وعلا فوق كل شيء سبحانه، فهو رفيع الدرجات: ذو الدرجات العظيمة الرفيعة سبحانه وتعالى، المستحق للكمال وحده، والمستحق للثناء والمدح وحده، صاحب كل خير سبحانه.
وهو الذي يملك أن يرفع عباده إلى درجات عنده، فجعل الجنة درجات عالية، فهو صاحب هذه الدرجات، يرفع من يشاء من عباده إليها.
ورفيع الدرجات: صفة من صفات الله، وهي صفة دالة على سعة ملكه وقدرته سبحانه وتعالى، فيرفع درجات من يشاء، ويخفض من يشاء سبحانه، (ذُو الْعَرْشِ) أي: صاحب العرش وخالقه، وفي الدنيا يقال: الملك فلان له عرش، وهو سرير الملك الذي يكون عليه، ولله عز وجل المثل الأعلى، فله العرش العظيم سبحانه وتعالى، وهو فوق السماوات وفوق كل شيء، وأحاط بكل شيء، وهو الرحمن فوق عرشه استوى عليه سبحانه.
قال تعالى: (يُلْقِي الرُّوحَ) الروح: الوحي، أو النبوة، حيث ينزل الملك جبريل وهو روح الله وروح القدس، أي: روح مقدسة خلقها الله سبحانه وتعالى، فينزل على من يشاء الله من عباده.
والروح: القرآن، قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ} [الشورى:٥٢] إذاً: فالروح: الوحي، والنبوة، والقرآن الذي ينزل من عند الله سبحانه وتعالى، فهو يلقي الروح أي: ينزل الروح بأمره، وفيه أمر الله وقضاء الله سبحانه، وفيه إحياء لقلوب الخلق، فالقلوب الميتة بالكفر يحييها وحي الله سبحانه، والنبوة والقرآن، فكما ينزل الغيث من السماء ليحيي به الأبدان، كذلك ينزل من السماء القرآن ليحيي به الإنسان.
وقوله: (يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ) أي: أن الله يصطفي إليه من يشاء، ويجتبي إليه من يشاء، ويهدي إليه من ينيب، فالنبوة والرسالة ليست كسباً من الخلق، وليس لأحد من الخلق أن يقول: سوف أعبد الله وأتقرب إليه حتى يجعلني نبياً أو رسولاً، فهي هبة من الله سبحانه ومنحة يمنحها من يشاء من عباده، فيجعله نبياً أو رسولاً.
(لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ) أي: يوم القيامة، يوم يلتقي أوائل العباد مع أواخرهم من لدن آدم إلى آخر من تقوم عليه الساعة، ويلتقي فيها الظالم مع المظلوم، والقاتل مع المقتول ليحكم الله بينهم، وليقتص كل واحد من الآخر.
وكلمة: (التلاق) يقف عليها الجمهور بالسكون، ويقف عليها بالياء ابن كثير ويعقوب؛ فإذا وقف قال: (يوم التلاقي)، وإذا وصل قال: (يوم التلاقي) كذلك، فيقف بالياء في الوصل وفي الوقف، وورش وقالون بخلفه وابن وردان يقرءونها في الوقف: (يوم التلاق)، وفي الوصل: (يوم التلاقي).
إذاً: وصلاً فقط بالياء لـ ورش وقالون بخلفه وابن وردان.