[تفسير قوله تعالى: (ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها)]
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الله عز وجل في سورة الجاثية: {وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ * أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} [الجاثية:٢٢ - ٢٣].
لما ذكر الله سبحانه تبارك وتعالى أمر هذه الشريعة العظيمة، التي جعل عليها النبي صلى الله عليه وسلم مبلغاً لها ومعلماً إياها، أمره أن يتبعها، وأمر المؤمنين أن يقتدوا بالنبي صلى الله عليه وسلم، فقال تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الجاثية:١٨]، والنبي صلى الله عليه وسلم مأمور بأن يتبع هذه الشريعة التي جاء بها من عند رب العالمين، والمؤمنون مأمورون بذلك، أما المشركون واليهود والنصارى وغيرهم الذين لا يعلمون بأس الله، ولا يعلمون شرعه، والذين يحاربون رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهم أهل جهل وحماقة، لأنهم لا يعرفون الحق ويعادونه، مع أنهم لا يحاولون أن يتعرفوا عليه، ولا أن يكونوا مع النبي صلوات الله وسلامه عليه ليفهموا منه ما يبلغهم صلوات الله وسلامه عليه.
فهؤلاء وصفهم الله عز وجل بأنهم لا يعلمون، قال تعالى في سورة الروم: {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم:٧] إذاً فهم ليسوا على علم ينفع، وإن كانوا يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا، فهم يعرفون ظواهر من العلوم الدنيوية، كالعلوم الطبيعية، كعلم الصيدلة والطب وغيرهما من العلوم.
أما العلوم التي توصلهم لليقين بالله سبحانه، والإيمان بالغيب واتباع شريعة رب العالمين، فهم لا يحاولون أن يفكروا في ذلك، ولا يريدون إلا الدنيا وصرحوا بذلك، وقال الله عز وجل عنهم: ((وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ)).
فهؤلاء الذين علموا ظاهراً من الدنيا ولم يعرفوا ما عند الله سبحانه تبارك وتعالى، فهم لا يعلمون، لأنهم علموا علوماً بسيرة، أما ما أعده الله عز وجل للأبرار، وما أعده للفجار، فهم لا يعرفون من ذلك شيئاً، ولا يريدون أن يعرفوا ذلك، ولا يريدون أن يعرفوا لماذا خلقوا في هذه الدنيا؟ قال الله عز وجل: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ} [الذاريات:٥٦ - ٥٧].
فالغاية والهدف الذي خلق من أجلها العبد في هذه الدنيا، هو ليعبد الله سبحانه، والكفار لا يريدون أن يعبدوا الله سبحانه تبارك وتعالى، فهم يعبدون أهواءهم كما ذكر الله سبحانه في آيات عديدة.
وقوله سبحانه وتعالى: {إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ} [الجاثية:١٩] أي: الله ولي المؤمن التقي الذي يتولى ربه، فيدافع عن دين الله سبحانه، ويدفع عن نفسه غضب الله بطاعة الله وتقواه، فهذا ولي الله سبحانه تبارك وتعالى.