[تفسير قوله تعالى: (ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه)]
قال الله تعالى: {وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} [النور:٥٢] أي: أن الإنسان الذي يسمع ويطيع الله ورسوله فهو المفلح والفائز، ففي الآية الأولى ذكر السمع والطاعة في الحكم، وفي هذه الآية ذكر السمع والطاعة في جميع الأمور.
فالأولى: ((إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ)) يعني: في حال الحكم، قالوا: سمعنا وأطعنا على العين والرأس، فالذي يقوله ربنا ننفذه، وليست مقالة باللسان فقط، ولكن يقول باللسان وينفذ ذلك بالفعل، فإن كان عليه الحق دفع هذا الحق، ولم يتهرب ولم يتملص من ذلك، فحكم الله يجب على العبد أن ينفذه.
ثم عمم ربنا سبحانه في كل قضية وفي كل عمل من الأعمال أنك تطيع رب العالمين سبحانه، فقال: ((وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ)) أي: في كل شيء من أمور العبادات، ومن أمور المعاملات، ومن أمور الأحوال الشخصية، ومن أمور الجنايات والديات، ومن أمور حياته ومعاشه، فهو في كل الأمور يطيع الله عز وجل فيها، ويطيع الرسول صلى الله عليه وسلم، مع خشيته وإخلاصه لرب العالمين؛ لأن الإنسان قد يطيع في الظاهر ولكنه في باطنه لا يخشى، بل ينافق ويرائي، فلابد من هذا القيد: الطاعة مع الخشية لرب العالمين سبحانه، فهي طاعة في الظاهر وفي الباطن.
وقوله: ((وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ)) أي: يتقي غضب الله سبحانه وتعالى، ويكف عن نفسه غضب الله بطاعة الله سبحانه، فالتقوى أن يجعل وقاية وحاجزاً بينه وبين معصية الله، وبينه وبين غضب الله سبحانه.
فقوله: ((وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ)) (يتقه) هذه فيها قراءات للقراء، فيقرؤها: (ويتقْهِ) بسكون القاف حفص عن عاصم فقط، كأنها على نية الجزم؛ لأن أصلها: يتقي، ففي آخرها حرف العلة، فإذا جزمت حذفت حرف العلة فقط، وتصير القاف مكسورة، ولكن حفصاً سكن القاف، وكأنه اعتبر في هذا الأخير نية الوقف عليه، أو بنية الجزم له، كذا قال النحويون فيها.
فقراءة حفص: ((ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقْهِ فأولئك هم الفائزون))، وأما بقية القراء غير حفص عن عاصم فيقرؤنها بكسر القاف: (ويتقِه) لكن اختلفوا في الهاء، فمنهم من يختلسها، يعني: يجعلها كسرة، ومنهم من يشبعها، يعني: يجعلها كالياء فيها، فقرأ قالون ويعقوب وابن عامر بخلفه: (ويتقِهِ) بكسر القاف والهاء بعدها.
وقرأ ورش وابن كثير وابن عامر وحمزة والكسائي وخلف وكذلك أبو جعفر بالإشباع للهاء بكسر الهاء: (ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقِهي فأولئك هم الفائزون).
وقرأها أبو عمرو وشعبة عن عاصم -وهذه قراءة ثانية عن عاصم - وهشام وخلاد بخلفهما، وكذلك ابن وردان بسكون الهاء وبكسر القاف، فتصير قراءة هؤلاء: (ويخش الله ويتقِهْ).
فالله عز وجل حكم لهم بأنهم مفلحون، وبأنهم فائزون قد نالوا الفوز العظيم، ونالوا الدرجات العظيمة عند رب العالمين بطاعتهم له سبحانه.
نسأل الله عز وجل أن يجعلنا منهم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.