[تفسير قوله تعالى: (الله نور السموات والأرض مثل نوره كمشكاة)]
الحمد الله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الله عز وجل: {اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [النور:٣٥].
ذكر الله سبحانه وتعالى في هذه الآية نوره العظيم الذي يهدي به من يشاء من خلقه، فقال: {اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [النور:٣٥].
{اللَّهُ نُورُ} [النور:٣٥] أي: منور السموات والأرض بما جعل فيها من ضياء،.
قال سبحانه: {اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [النور:٣٥] أي: هادي من في السموات ومن في الأرض، فالله نور ليس كغيره من النور، كما أننا نؤمن بصفاته سبحانه وأنه لا يشبهه شيء، كما قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:١١].
وأخبر أنه خلق الإنسان من سلالة من طين، فقال: {إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} [الإنسان:٢].
فالله سميع وبصير سبحانه، وجعل للإنسان سمعاً وبصراً، وجعل فيه حياة، ونؤمن أن الله عز وجل ليس كمثله شيء، فالمخلوق فيه كحياة، ولكنها ليست كحياة الخالق سبحانه وتعالى.
وللمخلوق سمع وبصر، ولكنها لا يشبهان أبداً سمع الخالق سبحانه ولا بصره، وكذلك الله نور، ولا يشبهه نور غيره.
فالله نور السموات والأرض، والله منوِّر السموات والأرض، فينورهما بما يشاء، والله يهدي أهل السموات وأهل الأرض، فهذه من معاني تنوير الله سبحانه وتعالى للسموات والأرض.
ثم ضرب مثالاً لنوره فقال: {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ} [النور:٣٥]، وختم بقوله: {يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} [النور:٣٥] إذاً: فلا يضرب مثلاً لنوره الذي هو صفة من صفاته سبحانه، فهو لا يشبهه شيء، ولا يضرب له الأمثال، ولكن يذكر لنا شيئاً من نور هداه سبحانه في قلب الإنسان المؤمن.
فالإنسان يعرف صفات الله سبحانه وتعالى لما يرى أمامه في الكون من قدرة الله عز وجل العظيمة المبهرة، فيعرف قدر الله سبحانه، قال: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الأنعام:٩١]، فلولا أن الإنسان يرى أشياء كبيراً حجمها، لما عرف أن الله هو الكبير سبحانه وتعالى.
فيرى الأرض عظيمة قد استوعبت من عليها من مخلوقات، ويرى من الأجرام التي خلقها الله عز وجل ما هو أكبر بكثير من هذه الأرض، فيعلم أن هناك ما هو أكبر من هذا الكبير.
ثم ينظر في هذه المجرات التي خلقها الله عز وجل، فيعلم أنها أعظم وأعظم وأكبر من هذا الكون الذي يراه من أرض ومن شموس حولها، فيرى هذا شيئاً كبيراً، والله أكبر من كل شيء سبحانه وتعالى.
فالله يُري الإنسان الآيات ليعرف بها عظيم صفات الله تبارك وتعالى.
وكذلك يرينا نوراً قد خلقه الله عز وجل، وهذا نور آخر أعظم منه خلقه الله أيضاً، وهذا نور ثالث أعظم وأعظم، فالإنسان يطلع على ما يراه من نور، فيرى نوراً موجوداً في الأرض، ونوراً يأتي من القمر، وهذا ضياء يأتي من الشمس، وفوقها ما هو أعظم من ذلك بكثير.
فالإنسان يرى النور في الدنيا، فهو يطيق أن ينظر إلى ضوء الشمعة، ولكن إذا كان مصباحاً لم يكد يقدر أن ينظر إليه، فإذا كبر ما فيها من ضوء صارت هالوجيناً مثلاً فمستحيل أن ينظر إليها بنظره، فالله نور سبحانه وتعالى، وهو أعظم من ذلك بكثير.
فيضرب لنا هذا المثل للتقريب للأذهان، فعندما يرى الإنسان الشيء الكبير يعلم أن الله أكبر من ذلك، وعندما يرى الشيء العظيم يعلم أن الله أعظم من ذلك.
فمثل نوره ما يجعله في قلب الإنسان المؤمن من نور الإيمان، ونور معرفة الله سبحانه، واليقين به سبحانه، ونور القرآن في قلب الإنسان المؤمن، ونور الإتباع والهدى في قلبه، فهذا النور الذي يضيء له فلا يكاد يضل، ولا يكاد يقع في شيء يغضب الله سبحانه وتعالى.
{مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ} [النور:٣٥] قالوا: المشكاة: هي الكوة في الحائط، وكأنه نافذة مغلقة من مكان ومفتوحة من مكان آخر، وكأنه فتحة في الحائط موضوع فيها هذا المصباح.
قال تعالى: {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ} [النور:٣٥] كأنه العلبة التي توضع بداخلها اللمبة من أجل تجميع الإضاءة في مكان، فكأنه يريد هنا أن يرينا مثلاً من الأمثلة: أنه إذا وجد مثل هذا النور في مكان فلا يمكن لإنسان ألا يرى ما حول هذا النور إلا أن يكون أعمى.
إذاً: فهو نور عظيم أضاء المكان الذي هو فيه، فتخيل مكاناً مغلقاً، وهناك علبة بداخلها مصباح، وهذا المصباح صفته أنه: {كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ} [النور:٣٥]، والفتيلة التي فيها النار داخل الزجاجة، وهذه الزجاجة يذكرها الله عز وجل فقال: {الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ} [النور:٣٥]، فكل شيء فيها مضيء، والفتيلة مضيئة، والمشكاة التي بداخلها كأنها مضيئة.
قال تعالى: {الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ} [النور:٣٥] بداخل علبة زجاجية، الزجاجة هذه كأنها وحدها {كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ} [النور:٣٥] كأنها كوكب دري، والمصباح: {يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ} [النور:٣٥].