[تفسير قوله تعالى: (واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة)]
قال سبحانه: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا} [الأحزاب:٣٤].
فهنا أمرهن بالعبادة اللازمة والعبادة المتعدية، والعبادة اللازمة كالصلاة، وكل طاعة الله سبحانه من العبادات هي عبادة لازمة؛ لأن الثواب لصاحبه، والعبادة المتعدية كتبليغ العلم، قال تعالى: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} [الأحزاب:٣٤].
فالآيات: القرآن، والحكمة: سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وكله من عند الله سبحانه وتعالى، فالله نزل على النبي صلى الله عليه وسلم الذكر ليبين للناس ما نزل إليهم، وبين صلوات الله وسلامه عليه للناس ما نزل عليه من عند ربه سبحانه، فالكتاب والسنة كلاهما من عند الله سبحانه، بلغهما النبي صلى الله عليه وسلم، وسمعها أصحابه رضوان الله عليهم ومنهم نساء النبي عليه الصلاة والسلام، فبلغن وذكرن.
إذاً: أمرهن الله عز وجل بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وطاعة الله سبحانه ورسوله، وعلل فقال: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ} [الأحزاب:٣٣]، يريد الله سبحانه وتعالى ذلك، فافعلن ذلك حتى يطهركن الله عز وجل تطهيراً عظيماً، فكن على ما أراد الله سبحانه وتعالى.
قال تعالى: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} [الأحزاب:٣٤]، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتلو في بيت هذه آيات، وفي بيت هذه آيات، فتعرف هذه أحكاماً، وهذه أحكاماً، ويبلغن ذلك عن النبي صلوات الله وسلامه عليه، وهذه من الحكمة في تعدد أزواج النبي صلوات الله وسلامه عليه.
قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا} [الأحزاب:٣٤]، الله سبحانه وتعالى في علمه اللطف، وهو العلم الدقيق، والعلم بالخفايا، والله سبحانه لطيف في قضائه وقدره، فهو الذي يقدر الشيء ويكون لطيفاً بعباده سبحانه وتعالى في تشريعه وفيما قدره لعباده وقدره عليهم.
ولما ذكر الله اللطف والخبرة فالمقصود بها دقة علم الله سبحانه وعلمه بكل شيء دقيق وجليل، عظيم وصغير، قريب وبعيد، جلي وخفي، فالله يعلم كل شيء.
كذلك من لطفه سبحانه أن أراد بهن الخير العظيم، وأمرهن بالحجاب، وأن تلزم الواحدة منهن بيتها ولا تخرج من بيتها إلا لضرورة من الضرورات، ليقتدي نساء الأمة بنساء النبي صلى الله عليه وسلم.
لو كان الخطاب لنساء الأمة فقط دون نساء النبي صلى الله عليه وسلم، لقال نساء الأمة: لا نستطيع ذلك، لكن وجدن القدوة الحسنة في نساء النبي صلى الله عليه وسلم، فلا تخرج الواحدة من بيتها إلا إذا كانت مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة ونحو ذلك، أو للحج أو للعمرة، وبعد وفاته التزمن البيوت، فكن لا يخرجن إلا لحج أو لعمرة، إلا ما كان من عائشة رضي الله عنها لما خرجت للإصلاح بين الناس بعد مقتل عثمان رضي الله تعالى عنه، وكان ما كان مما حدث يوم الجمل، وإنما أرادت أن يراها الناس فيوقرون آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ويلتزمون أحكام الله سبحانه وتعالى وتخمد الفتنة، ولكن أرادت شيئاً، وأراد الله عز وجل شيئاً آخر.
فكان الأصل في نساء النبي صلى الله عليه وسلم المكث في بيوتهن، فلكي تقتدي نساء الأمة جعل الله عز وجل نساء النبي صلى الله عليه وسلم قدوة لهن وأمرهن بما في هذه الآيات، وجعل لهن الأجر العظيم إذا أطعن، وجعل عليهن العقوبة الأليمة إذا عصين، فصرن قدوة للنساء في التزام حكم الله سبحانه وتعالى.