قال النبي صلى الله عليه وسلم في نهاية الحديث:(إن الملك يقول: يا رب أجله؟ فيقول الرب كما شاء ويكتب الملك، ثم يقول: يا رب رزقه؟ فيقضي الرب كما شاء ويكتب الملك، ثم يخرج الملك والصحيفة في يده فلا يزيد عما أمر به ولا ينقص).
فما ذكره ابن مسعود من أن الشقي من شقي في بطن أمه أخذه من سؤال الملك ربه سبحانه وتعالى أشقي أو سعيد؟ فإذا قال الله: شقي فقد علم الله سبحانه وتعالى ما يكون عليه هذا الإنسان، فيكتب الملك ما أعلمه الله سبحانه وتعالى من علم الغيب وعلم المستقبل، فقد علم الله أنه سيكون شقياً، ويكتب الملك قدر الله في الأمرين، وهذا هو الذي استغربه الرجل وقاله ابن مسعود: الشقي من شقي في بطن أمه، والسعيد كذلك، أي: من كتب الملك له ذلك بحسب علم الله سبحانه وتعالى، وهذا هو ما نؤمن به، وهو أن الله عز وجل يقدر كل شيء، ونحن مأمورون أن نؤمن بالقضاء والقدر وألا نعارض ذلك، ولا نقول: كيف ذلك؟ فالقدر غيب وسر من أسرار الله عز وجل في خلقه، ولم نؤمر أن نتناقش فيه، وإنما أمرنا أن نؤمن به كما نؤمن بالجنة ولا ندري في أي مكان في السماوات هي؟ أهي فوق السماوات السبع أم دونها؟ ولكننا نؤمن بذلك ونوقن بأنها عالية جداً، وكما أمرنا أن نؤمن بالنار، ولا ندري أين توجد، وكما أمرنا أن نؤمن بالملائكة، ولا نعرف أشكالهم ولم نرهم، وإنما أمرنا أن نؤمن بالغيب.
ومن الغيب: القضاء والقدر، وعندما يحاسبنا الله عز وجل يوم القيامة لن يقول لنا: لقد علمت أنك تكون شقياً وكتبت أن تدخل النار، ولو احتج أحد على شقائه بكتابة الله أنه شقي لن يقول له الله: وأنا كتبت عليك أن تدخل النار، وليس هناك آية قالت لنا ذلك، وإنما القرآن يقول:{ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}[النحل:٣٢]، وأيضاً ادخلوا النار بما كنتم تعملون، وحين يقال للإنسان: ادخل النار، فيقول: لماذا يا رب؟ أنا لا أقبل شاهداً علي إلا من نفسي، فيختم على فيه وتشهد عليه أعضاؤه وتقول: عملت كذا وكذا وكذا، فيستحق العذاب والعياذ بالله! فالإنسان يوم القيامة يسأل عن عمله.
إذاً: علينا أن نؤمن بالقضاء والقدر ولا نناقش فيهما، فإن الله علم كل شيء وقدر كل شيء، وله الحكمة والعلم والقدرة سبحانه وتعالى، وعلى الإنسان أن يعمل، قال تعالى:{وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ}[التوبة:١٠٥]، والعمل الذي تعمله يكتبه الله عز وجل عليك ويحاسبك عليه، ولم يقل لأحد أنه في الجنة أو في النار، وإنما قد علم الله أن ناساً في الجنة وناساً في النار، وقدر الله عز وجل أن هؤلاء في الجنة ولا يبالي وهؤلاء في النار ولا يبالي، وأما نحن فأمرنا بأن نؤمن ونصدق ونعمل، قال تعالى:{وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ}[التوبة:١٠٥]، فنعمل ولا نتشكك ولا نرتاب، ونؤمن بما قاله الله عز وجل في كتابه، فإن من الإيمان: أن نؤمن بالقضاء والقدر، وأن الله خلق الجنة وخلق لها أهلاً، وخلق النار وخلق لها أهلاً.
والأحاديث التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم في خلق الإنسان أحاديث عجيبة جداً، ولعلها كلها كانت تستغرب في الأزمان الماضية، ولم تعرف حقيقتها إلا بعد تقدم الطب وإثباته أن هذا الذي قاله النبي صلى الله عليه وسلم هو الواقع الموجود، والذي في القرآن أدق في ذلك، وأدق مما عرفه الإنسان.