انظر هنا إلى هذا الانتقال من أمر إلى آخر، فالمشهد الأول: أن موسى ما زال عند الشجرة، وأنه يخاطب ربه، وربه يأمره أنه يذهب إلى فرعون، وموسى يطلب من ربه سبحانه أن يبعث معه أخاه هارون، فأخبره الله عز وجل بأن أخاه سيكون معه، ثم وجه الاثنين:{اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى * قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى * قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى * فَأْتِيَاهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ}[طه:٤٣ - ٤٧]، إذاً فهذا الخطاب كان في الأول مع موسى عند الشجرة، هذا هو المشهد الأول.
المشهد الثاني: أن موسى توجه إلى أخيه وطلب من أخيه أن يكون معه؛ لأنه نبي، وجاءت المخاطبة من رب العالمين والتكليف للاثنين:{اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ}[طه:٤٣] وهذا هو المشهد الثاني.
المشهد الثالث: وهما في بيت فرعون، فاختصر هذا كله في الآيات، وانتقل من مشهد إلى آخر، وهذا من حسن التخلص، وهذا من أفصح وأبلغ ما يكون في اللغة، فهذا المشهد الثالث:{قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا}[الشعراء:١٨]، فانتقل الآن إلى داخل قصر فرعون وفرعون يرد عليهم، فلا يوجد تكرار ممل، بل انتقل مباشرة إلى ذكر رد فرعون:{أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ}[الشعراء:١٨]، وكأن فرعون يمن على موسى عليه الصلاة والسلام، ويقول: أنت جئت لتدعوني وأنا الذي ربيتك وجلست عندي هنا في بيتي وفي قصري سنوات، {وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ}[الشعراء:١٩] يعني: قتلت القبطي من قومي، {وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ}[الشعراء:١٩] أي: لنعمتي عليك، ولتربيتي لك، كأنه هنا جاحد لنعمته، فهذا هو معنى الكفر الذي يقصده فرعون، وليس الكفر بالله سبحانه وتعالى.
قال موسى:{فَعَلْتُهَا}[الشعراء:٢٠] أي: حصل مني هذا الشيء ولست كافراً، ولم أجحد نعمة، ولم أكفر بالله رب العالمين سبحانه، {قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ}[الشعراء:٢٠] أي: ما كنت رسولاً من عند رب العالمين سبحانه، وما قصدت أن أقتل هذا الإنسان، ولكني أخطأت، فالضلال يأتي بمعنى الخطأ، ويأتي بمعنى التيه.