وأما خليله أمية بن خلف فقتله النبي صلوات الله وسلامه عليه، وفيها قصة يرويها الإمام البخاري عن عبد الله بن مسعود رضي الله تبارك وتعالى عنه قال: انطلق سعداً بن معاذ معتمراً فنزل على أمية بن خلف وكنيته: أبو صفوان، وكان أمية إذا انطلق إلى الشام فمر بالمدينة نزل على سعد، إذ كانا صديقين أي: أن سعد بن معاذ كان صديقاً لـ أمية بن خلف، وأمية هذا كافر في مكة، وذاك أسلم وهو في المدينة رضي الله عنه، فكان سعد إذا راح إلى هنالك يطوف بالكعبة ينزل على أمية بن خلف، وكان أمية كذلك إذا جاء المدينة نزل على سعد، فلما نزل سعد في مكة قال أمية: انتظر حتى إذا انتصف النهار وغفل الناس انطلقت فطفت، وذلك بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وإيواء الأنصار له، وكان على رأس الأنصار سعد بن معاذ رضي الله عنه، وكان يحبه النبي صلوات الله وسلامه عليه، فهؤلاء هم الذين آووا النبي صلى الله عليه وسلم ونصروه، وكونه يذهب إلى مكة فإن أهل مكة يعرفون أن هذا سعد بن معاذ الذي آوى النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك ستحصل مشاكل هنالك.
لذلك نزل على أمية بن خلف صديقه، فـ أمية بن خلف قال: انتظر لا تطف حتى ينتصف النهار، فلما انتصف النهار أخذ يطوف، فبينما هو يطوف إذا بـ أبي جهل لعنة الله عليه يقول: من هذا الذي يطوف بالكعبة؟ فقال سعد: أنا سعد، فقال أبو جهل: تطوف بالكعبة آمناً وقد آويت محمداً -صلوات الله وسلامه عليه-؟ فقال له: نعم أطوف آمناً بالبيت وقد آويناً محمداً صلوات الله وسلامه عليه، وكان شجاعاً رضي الله تبارك وتعالى عنه، فتلاحيا بينهم، يعني: كل واحد شتم الثاني، أبو جهل شتمه، وهو رد عليه الشتمة، ولاحظ أنه وحده رضي الله عنه وأبو جهل في وسط الناس وفي وسط الكفرة الذين يبغضون النبي صلى الله عليه وسلم، فخرج أمية وقال لـ سعد: لا ترفع صوتك على أبي الحكم فإنه سيد أهل الوادي، فقال سعد: والله لإن منعتني أن أطوف بالبيت لأقطعن متجرك بالشام، وقد قال الله سبحانه يمن على قريش:{لِإِيلافِ قُرَيْشٍ * إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ}[قريش:١ - ٢]، أي: يذهبون إلى الشام فيتاجرون، ويذهبون إلى اليمن فيتاجرون، فجعل أمية يقول: لا ترفع صوتك على أبي الحكم فقال له: دعنا عنك، فإني سمعت محمداً صلى الله عليه وسلم يزعم أنه قاتلك، وكلمة يزعم هنا بمعنى: يقول وليس معناه: أنه ظن أو كذب، فقال أمية: أنت سمعت هذا من محمد -صلى الله عليه وسلم- قال: نعم، فقد كانوا يلقبون النبي صلى الله عليه وسلم بالصادق الأمين، فمهما كذب هؤلاء الملاعين النبي صلى الله عليه وسلم فإنه في قرارة أنفسهم أنه صادق؛ ولذلك قال ربنا سبحانه:{فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ}[الأنعام:٣٣]، لذلك لما قال سعد لـ أمية: إن النبي صلى الله عليه وسلم زعم أنه قاتلك، قال: أنت سمعت هذا من محمد -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: نعم، فقال أمية: والله ما يكذب محمد إذا حدث، فرجع إلى امرأته فقال: أما تعلمين ما قال لي أخي اليثربي؟ فقالت: وما قال؟ قال: زعم أن محمداً يزعم أنه قاتلي، قالت: فوالله ما يكذب محمد -صلى الله عليه وسلم- وهي كافرة وزوجها كافر، وهم الذين يقولون عنه كاذب، ويكذبونه عليه الصلاة والسلام، ولكن بينهم وبين أنفسهم هو ليس بكذاب، بل هو صادق صلى الله عليه وسلم، فلما خرجوا إلى بدر وجاء الصريخ في يوم فنادوا: تعالوا نقاتل محمداً ومن معه عليه الصلاة والسلام، فقالت له امرأته: أما ذكرت ما قال لك أخوك اليثربي؟ فقال: نعم، فأراد ألا يخرج؛ لأنه خاف من النبي صلى الله عليه وسلم أن يقتله، وقدر الله سبحانه وتعالى أن يلقاه أبو جهل ويقول له: إنك من أشراف الوادي، فاخرج معنا يوماً أو يومين، فسار معه حتى كانت نهايته بعد ذلك، وكان من المحفزين له على الخروج عقبة بن أبي معيط، ذلك الملعون الذي قال له: اخرج، وأتى بجمرة فيها بخور ووضعها أمامه وقال: اقعد إنما أنت مع النساء، فقال أمية: قبحك الله وأخذته العصبية وخرج معهم حتى يقتل هنالك.
ويخبر عبد الرحمن بن عوف فيما رواه البخاري أنه كان بينه وبين أمية مكاتبة قال: كتب أمية بن خلف بأن يحفظني في ضيعتي بمكة وأحفظه في ضيعتي في المدينة، فلما جاء يوم بدر وخرج أمية بن خلف، وقد حضر لنفسه أجود بعير في مكة ليهرب منه صلوات الله وسلامه عليه، فلما جاء إلى بدر أراد أن يهرب، وحاول عبد الرحمن بن عوف أن يحميه، فإذا بـ بلال رضي الله عنه يراه، وقد كان أمية يعذب بلالاً رضي الله عنه، فقال: أمية بن خلف رأس الكفر لا نجوت إن نجا، فنادى الأنصار فحاول عبد الرحمن بن عوف أن يحمي أمية فلم يستطع، وكان مع أمية ابنه علي بن أمية بن خلف، فقال عبد الرحمن بن عوف: فشغلتهم بابنه فقتلوه، وجاء من وراءه أمية حتى لا يقتلوه، قال عبد الرحمن بن عوف: فقلت له: ابرك ونم على الأرض، ونام فوقه عبد الرحمن بن عوف يريد أن يحميه، فإذا به تتناوشه السيوف من تحت عبد الرحمن بن عوف وجرحوا عبد الرحمن بن عوف رضي الله تبارك وتعالى عنه، وقتلوا رأس الكفر أمية بن خلف وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.