للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تفسير قوله تعالى: (أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النار)]

قال الله سبحانه عن أهل الباطل: {أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنقِذُ مَنْ فِي النَّارِ} [الزمر:١٩] استحقوا العذاب، فالله عز وجل أعلم بخلقه، خلق هؤلاء إلى الجنة وبعمل أهل الجنة يعملون، وهؤلاء إلى النار وبعمل أهل النار يعملون، فالله أعلم بمن يستحق الجنة من عباده فيوفقه إلى طريقها، وأعلم بمن يستحق النار من عباده فيخذله عن طريق الجنة، ولا يوفقه لطريقها.

قال سبحانه: {أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنقِذُ مَنْ فِي النَّارِ} [الزمر:١٩] كأنه يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم: أفمن حق عليه كلمة العذاب فاستحق أن يدخل النار هل تنقذه أنت؟ لا يقدر النبي صلى الله عليه وسلم أن ينقذ أحداً، قال له الله عز وجل في القرآن مبيناً وظيفته: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} [آل عمران:١٤٤]، صلوات الله وسلامه عليه {أَفَإِينْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا} [آل عمران:١٤٤].

إذاً النبي صلى الله عليه وسلم ليس إلا رسول من عند رب العالمين، هو بشر يدعو إلى ربه صلوات الله وسلامه عليه، قال الله: {إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ * إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} [فاطر:٢٣ - ٢٤]، فهو بشير يبشر من يعمل الصالحات بالجنة، ونذير ينذر ويرهب ويخوف من عمل غير الصالحات، ومن أشرك بالله؛ فيخوفه بالنار، فهو رسول من رب العالمين عليه الصلاة والسلام، وهو بشير ونذير صلوات الله وسلامه عليه.

أمره ربه سبحانه أن يدل الناس على الخير وأخبر أنه يهدي عليه الصلاة والسلام فقال: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى:٥٢]، وأخبره أنه لا يقدر أن يحول أحداً من شيء إلى شيء إلا بإذن الله فقال: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص:٥٦]، إذاً فهو يهدي عليه الصلاة والسلام بمعنى يدل، {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى:٥٢] أي: تدل فتقول للناس: هذا طريق الجنة اعملوا كذا ولا تعملوا كذا، وأنت لا تهدي بمعنى لا تقدر أن تهدي إنساناً قد أشقاه الله سبحانه، فالذي يحول القلوب هو الله سبحانه تبارك وتعالى، فلا يملك النبي صلى الله عليه وسلم أن يغير قلب إنسان؛ ولذلك قال للأقرع بن حابس لما قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحداً! فقال: أو أملك أن نزع الله الرحمة من قلبك؟)، فهو لا يملك أن يدخل رحمة في قلب إنسان أو أن يخرجها من قلب إنسان، إنما الذي يملك ذلك الله سبحانه، لكن هو يقدر على أن يدله ويرشده صلوات الله وسلامه عليه كما نقول: هذا رجل يهدي في الطريق، فالنبي صلى الله عليه وسلم يهدي بمعنى يدل عليه الصلاة والسلام، أما الذي يهدي بمعنى يحول ويغير فهو الله سبحانه، ولا يملك ذلك أحد إلا الله، وهذا معنى قولك: لا حول ولا قوة إلا بالله، فهذه الكلمة كنز من كنوز الجنة، ومعناها لا حيلة لأحد ولا قوة لأحد ولا قدرة لأحد أن يغير شيئاً إلى شيء إلا أن يعينه الله سبحانه تبارك وتعالى، ففيها التبري من الحول والقوة، فكأن الإنسان يقول: أنا يا رب لا أملك شيئاً، أنت تملك كل شيء، أنت الذي توفق إلى الخير وأنت الذي تعين عليه.

{أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنقِذُ مَنْ فِي النَّارِ} [الزمر:١٩]

و

الجواب

لا يقدر النبي صلوات الله وسلامه عليه أن ينقذ من في النار، إنما الذي يدخل العباد الجنة أو النار الله سبحانه تبارك وتعالى، بالتوفيق للإيمان أو بالخذلان عن ذلك إلى المعاصي والكفر والطغيان.

<<  <  ج:
ص:  >  >>