فأنشأ الله عز وجل الجنات، وهذه أغلى ما عند الإنسان، كذلك أنشأ له الحقول وأنشأ له ما يشاء من خلقه، فقوله تعالى:((فَأَنشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ)) الجنات: البساتين، {مِنْ نَخِيلٍ}[المؤمنون:١٩] فتأخذون من ثمارها البلح والبسر والرطب والتمر، فنص على بعض ما يخرج منها وهو من أذكاها ومن أعلاها ومن أفضلها، فالتمر تأخذه من النخيل، والتمر فاكهة للإنسان يفرح بها، تسد جوع الإنسان فتعطيه طعاماً فيه غذاء له، وفيه فاكهة، وفيه شيء حلو يتحلى به، وكذلك الفيتامينات والفوائد الغذائية الأخرى.
يقول العلماء: النخيل والأعناب من الفواكه التي هي سريعة الهضم عند الإنسان، وسرعان ما تعطي الإنسان ما يحتاجه من سكر ومن غيره، فقالوا: تمتاز الفواكه باحتوائها على العديد من الفيتامينات ومن السكريات السريعة الامتصاص التي تؤدي إلى اختفاء الجوع، فالإنسان حين يشعر بالجوع ويأكل الفاكهة بسرعة يذهب الشعور بالجوع؛ لأن الجهاز المسمي بـ (تحت البصري) الذي تحت البصري في المخ يستشعر بانخفاض نسبة السكر؛ فيستشعر الإنسان بالجوع وبالدوخة؛ ولذلك كان من السنة في رمضان أنك أول ما تفطر تفطر على التمر، قالوا: لأنه يحتوي على نسبة عالية من السكريات السريعة الامتصاص في بدن الإنسان، ويحتوي على نسبة عالية من الفسفور، والفسفور هو غذاء المخ، فالتمر يحتوي على سكريات تمر في الدم بسرعة، فيشعر الإنسان بشيء من الشبع وتعطيه طاقة، والفسفور يغذي المخ، وسرعان ما يعود المخ إلى نشاطه بسبب أكل التمر، فكان من السنة أنك تفطر على التمر أولاً في رمضان.
وقالوا أيضاً: إن التمر من الأشياء المفيدة جداً للنساء الحوامل، فهو يعين عند الوضع، ويساعد على انقباض عضلات رحم المرأة في حال الوضع؛ ولذلك فإن الله سبحانه وتعالى أمر السيدة مريم بقوله:{وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا * فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا}[مريم:٢٥ - ٢٦]، أي: كلي من هذا التمر واشربي من الماء وقري عيناً، فقالوا: إنه يعين على الولادة بانقباض الرحم، كذلك يمنع النزيف لأنه يخفض ضغط الدم في الإنسان، كذلك يعين على خروج المشيمة من الجسم أو على الانقباضات التي تخرج الدم والمشيمة من جسد المرأة، هذه فوائد التمر، وكذلك البلح فيه من ذلك، فالتمر ما هو إلا بلح قد يبس.
والعنب بأنواعه يحتوي على نسبة عالية جداً من السكر، مثل سكر الجلوكوز الذي هو من أسهل أنواع السكر، ويحتوي العنب على حوالي خمسين في المائة منه، وقيل: إنه نافع جداً للإنسان، فهو يدر البول، ويمنع ترسيب الحصوات في الكلى والحالب وغيرها، ويعين على إزالة الأملاح الذائبة في جسد الإنسان، وقيل: إنه يساعد المريض باليرقان وأمراض الصفرة على إدرار الصفراء في جسم الإنسان وعلى نشاطه وعلى فتح الشهية وغير ذلك.
قوله تعالى:((لَكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ)) أي: تتفكهون وتستلذون بطعمها وفيها هذه الفوائد التي ذكرناها، وقوله تعالى:((وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ))، أي: يكون طعاماً للإنسان؛ لأن أهل المدينة كان من ضمن طعامهم التمر، حيث إنهم كانوا يأكلون التمر ويشربون عليه الماء ويقومون على ذلك أشهراً كثيرة، وكذلك العنب يجعلونه زبيباً فيأكلون الزبيب ويشربون الماء.