[تفسير قوله تعالى: (وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه)]
قال سبحانه: {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ} [القصص:٥٥].
هذه من الأخلاق الحسنة التي ينبغي أن يكون عليها الإنسان المؤمن، واللغو: هو الكلام الفارغ الرديء الذي ينبغي أن يلغى ويطرح.
فهم إذا سمعوه لم يجيبوا صاحبه إلا بالكلام الحسن، فإذا استمر صاحبه على ذلك أعرضوا: {وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ} [القصص:٥٥].
ويقولون: سلام عليكم، والسلام هنا بمعنى المتاركة يعني: أنتم على حالكم ونحن على حالنا فابعدوا عنا فليس لنا بكم شأن.
{لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ} [القصص:٥٥] أي: يقولون لهؤلاء: أنتم أهل جهالة وأهل باطل، ونحن لا نريد أن نكون مع أهل الباطل فنحشر معهم، هذا الذي ذكره الله عز وجل من الأخلاق الحسنة هي في تعاملهم مع المسلمين، وفي تعاملهم أيضاً مع الكفار، فهم يدعونهم إلى دين رب العالمين سبحانه وتعالى فإذا لم يجدوا منهم استجابة أعرضوا وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين.
وهذا معنى: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون:٦] أي: أنتم على الضلالة ونحن أبعد الناس عن ضلالاتكم، فدينكم يختص بكم، وأنتم تسألون عنه عند الله سبحانه، ولنا ديننا دين الإسلام.
أما أن يجهل الكفار على المسلمين ثم يقولون: سلام عليكم، فهذه السورة مكية، وقد نزلت حين كان يتعرض المسلمون للأذى ولا يقدرون على دفعه، فلما هاجروا وفرض عليهم الجهاد أمرهم الله عز وجل بالرد على الكفار، فيكون (سلام عليكم) في معرض الجدل، إذا كان هناك جدل بين المسلمين وبينهم ولم يصلوا إلى شيء فنقول: لكم دينكم ولي دين.
أي: انتهى الأمر.
أما إذا اعتدى الكافر على المسلم بالإساءة وبالبذاءة باليد وباللسان، وبالحيل والمكر، فإن الله أمر المسلمين أن يدفعوا عن أنفسهم وأن يدافعوا عن دينهم، وأن يجاهدوا هؤلاء، قال الله سبحانه: {فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة:٥] وهذه الآية تسمى آية السيف، نسخت كل ما في القرآن من أمر بموادعة ومتاركة ومسالمة الكفار.
إذاً: نسالمهم إذا كانوا يسالموننا، أما أن يبدأ الكافر بأن يؤذي المسلم أو يقاتل المسلمين ثم يقولون سلام عليكم فهذا لا يكون أبداً، فإن جميع ما جاء في المسالمة والمتاركة كان في العهد المكي، أما في العهد المدني فقد أمر الله عز وجل المؤمنين بالجهاد في سبيل الله سبحانه، وبذلك يقول العلماء: إن هذه الآية مع الكفار نسختها آية السيف، يعني: أن الآية ليست منسوخة كلها، ولكن إذا سمعوا اللغو والبذاءة والإساءة من الناس، هؤلاء الناس إما أن يكونوا مسلمين، وإما أن يكونوا كفاراً، فإذا كانوا مسلمين فادفع بالتي هي أحسن لعله يستحيي من نفسه فيتوب إلى الله سبحانه وتعالى، {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} [الشورى:٤٣]، {وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ} [الشورى:٤١].
فللمسلم أن ينتصر ممن آذاه من المسلمين فكيف بالمشركين؟ كيف بالكفار الذين يؤذون المسلمين في دينهم وفي ديارهم؟ فقوله: {سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ} [القصص:٥٥] بمعنى: متاركة بيننا وبينكم هذا إذا لم يصل الكفار للأذى في دين المسلمين ولم يقاتلوهم؛ لكن إذا كانوا يدفعون المسلم ليقع في الخطيئة وليقع في الكفر ويترك دين الله عز وجل، فعليه حينئذٍ أن يجاهدهم كما أمر الله سبحانه وتعالى.