في قوله تعالى:{يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا}[النور:٣٦] قراءتان: قراءة حفص ومن معه، وابن عامر ومن معه، فـ ابن عامر وشعبة يقرءان هذه الآية:(يُسبَّح له فيها بالغدو والآصال)، فعلى قراءة شعبة عن عاصم وابن عامر يستحسن الوقف على رأس هذه الآية:(يُسبح له فيها بالغدو والآصال).
وباقي القراء منهم حفص عن عاصم ونافع وأبو جعفر وابن كثير وأبو عمرو ويعقوب وحمزة والكسائي وخلف يقرءون:{يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ}[النور:٣٦].
وعلى هذه القراءة يستحسن الوصل حتى لا يفصل الفاعل عن الفعل، فيقرأ:(يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال) فيصل الآية بما بعدها.
فهؤلاء رجال من صفاتهم: أنهم لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة.
فهؤلاء المؤمنون عمّار بيوت الله سبحانه وتعالى لا يلهيهم شيء عن صلاتهم، ولا عن ذكر الله سبحانه وتعالى، وقد مدحهم الله سبحانه وتعالى بأنهم لا تلهيهم الدنيا، وقد عبر عن الدنيا بالتجارة والبيع وذلك أكثر ما يشغل الإنسان، فهو يحتاج أن يشتري ويبيع ليتم بهما عيشه، ومع ذلك لا يلهيهم هذا عن ذكر الله سبحانه، وعن الإتيان إلى بيت الله في الصباح وفي المساء وفي كل وقت، فلا يضيع صلاة، فقلوبهم معلقة بالمساجد، وهؤلاء ممن يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله كما في الحديث:(رجل قلبه معلق بالمسجد)، إذا خرج منه حتى يرجع إليه، فقد تعلق قلبه بالمسجد، فجعله الله عز وجل من أهل جنته وأظله بظله يوم لا ظل إلا ظله.
هذه المساجد التي أذن الله عز وجل أن ترفع ويذكر فيها اسمه جعل في بنائها الثواب العظيم، وجاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم:(من بنى لله مسجداً ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتاً في الجنة) فمن بنى لله مسجداً ولو كان صغيراً، وضرب له هنا مثالاً بمفحص القطاة، وهي الحمامة التي تجعل لنفسها عشاً تبيض فيه ولو كهذا، ويستحيل أن يكون المسجد كهذا ويصلي فيه أحد، ولكن المقصد أنه ولو كان مسجداً صغيراً يصلي فيه جماعة قليلة، فكيف بمن بنى لله مسجداً كبيراً.