[فضل الدعوة إلى الله والاستقامة على الدين]
ذكرنا في الحديث السابق والذي قبله هذه الآية العظيمة من هذه السورة، وذكرنا أنها عبارة عن عشر جمل كل جملة منها حكم قائم برأسه مستقل بذاته، وقد اجتمعت العشرة في هذه الآية الواحدة لتعطي معنى إجمالياً باتباع دين الله سبحانه وتعالى، قال تعالى: ((فَلِذَلِكَ فَادْعُ))، أي: لتلك الشريعة العظيمة، ولذلك الدين القيم الذي ذكره قبل ذلك في قوله: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} [الشورى:١٣].
وفي سورة يوسف أمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم بأن يدعو إلى سبيل الله، قال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف:١٠٨]، وقال الله سبحانه وتعالى في سورة النحل: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:١٢٥]، فأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يدعو إليه، وبين له طريقه، وبين له كيف يدعو إليه، فالطريق هو دين الإسلام دين التوحيد، يدعو إليه النبي صلى الله عليه وسلم على بصيرة هو ومن اتبعه.
والمؤمن يدعو إلى الله بعد أن يتعلم، فإذا أردت أن تدعو إلى الله فتعلم، والعلم الشرعي: هو العلم بهذه العقيدة الإسلامية العظيمة، العلم بشرع الله ودينه وفقه هذا الدين العظيم، فتدعو إلى الله على بصيرة وأنت تعلم إلام تدعو، وعلى أي طريق تقف وتثبت، فتدعو إلى الله سبحانه وتعالى، وتستقيم على هذا الدين كما أمر الله سبحانه، وكما أمر النبي صلوات الله وسلامه عليه، قال تعالى: ((وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ))، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (قل آمنت بالله ثم استقم)، وقال النبي صلوات الله وسلامه عليه لأصحابه: (استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن).
ففي هذا الحديث أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالمحافظة على الصلاة، وأخبر أن الدين عظيم، ولن تحصي أنت أعمال البر وأعمال الخير التي أنت مطالب بأن تأتي بها، ولكن سدد وقارب، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (سددوا وقاربوا)، فتعمل عمل الخير، ولا تحصي؛ لأن الثواب يحصيه الله سبحانه، وأنت لا تعرف قدر هذا الثواب العظيم عند الله سبحانه.
والأعمال كثيرة، فخذ بقدر طاقتك، قال تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:٢٨٦]، وقال تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا} [الطلاق:٧]، فاعملوا أعمال الخير، ولن تحصوها لكثرتها، فما استطعتم فافعلوا، والثواب عند الله أعظم مما تتخيلون.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ولن يحافظ على الوضوء إلا مؤمن)، بعدما قال: (واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة)، فأخبرنا أن المحافظ على الوضوء إنسان مؤمن، وكما ذكرنا المحافظة على الصلاة ذكرنا المحافظة على أهم شرط في الصلاة وهو الوضوء.
فلا بد أن تحافظ على الوضوء وتكون على طهارة، فإذا ذكرت الله سبحانه كنت على وضوء، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب أن يكون على وضوء ما استطاع، وذات مرة سلم عليه رجل ولم يكن على وضوء، فتيمم بالجدار ورد عليه السلام صلوات الله وسلامه عليه، وقال: (كنت على غير وضوء، فكرهت أن أذكر الله) يعني: على هذه الحال، كره أن يرد السلام إلا وهو على وضوء، ولما لم يكن هناك ماء تيمم ورد عليه السلام صلوات الله وسلامه عليه.
هذا منه صلى الله عليه وسلم شيء عظيم، ولسنا مطالبين بذلك، فهو لم يأمرنا أمر وجوب أن نكون طول اليوم متوضئين، الواجب علينا أن نتوضأ للصلاة، ولكن أخبر إخباراً ليحث على ذلك، أن يكون الوضوء في أكمل حالاتك طالما أنت تقدر على ذلك، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن؛ لأنه سيحافظ على صلاته، وسيحافظ على تكبيرة الإحرام إذا أراد أن يذهب إلى الصلاة، ولو أن المؤذن أذن لصلاة العصر وهو على وضوء، فإنه سيقوم سريعاً ويصلي سنة العصر القبلية، ويتوجه إلى المسجد فيدرك تكبيرة الإحرام.
ولو أن إنساناً أراد أن يدخل الخلاء بعد أن أذن المؤذن، فدخل دورة المياه، وقضى حاجته، ثم خرج فتوضأ، فقد تفوته تكبيرة الإحرام، ولعله إلى أن يأتي تكون قد فاتته الصلاة.
وانظر لحديث النبي صلى الله عليه وسلم حينما قال: (من صلى لله أربعين يوماً في جماعة يدرك التكبيرة الأولى كتبت له براءتان: براءة من النار، وبراءة من النفاق)، فالذي يحافظ على الصلاة شهراً وعشرة أيام يصلي في جماعة مائتين صلاة، ويحافظ على تكبيرة الإحرام مع الإمام يجعل الله له أجراً عظيماً، ويكتب الله له براءتين ينجيه من النفاق، فلا يكون منافقاً ولا يموت على النفاق، والأمر الآخر أنه يعطيه براءة من النار.
فالمؤمن يؤمل فضل الله سبحانه، ويرجو رحمة الله عز وجل، ويواظب على ذلك، ولعل الله سبحانه يمكنه، ولعله ينخذل منه شيء، فتفوته تكبيرة الإحرام، فلا ييأس ولكن يعمل أكثر، فيحاول حتى يصل في النهاية بفضل الله سبحانه وتعالى.
قال الله تعالى: ((فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ)) أي: استقم على طريق الله سبحانه وتعالى، وحافظ على دين الله وتعلمه، وحافظ على الصلاة وعلى الوضوء تكن مؤمناً.