للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تفسير قوله تعالى: (وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون)]

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

قال الله عز وجل في سورة الأنبياء: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ * وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِينْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ * كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ * وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ * خُلِقَ الإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ * وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ * بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلا هُمْ يُنظَرُونَ} [الأنبياء:٣٣ - ٤٠].

أخبر الله سبحانه وتعالى عن آياته الكونية العظيمة حتى يتدبر فيها الخلق، فقال أولاً: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا} [الأنبياء:٣٠]، فتق الله عز وجل السماوات بأن فتق السحاب وأنزل الأمطار، وفتق الأرض فأخرج منها الأشجار، وجعلها آية للخلق، وقد بدت هذه الآية بوضوح في هذا الزمان كما ذكرنا، فقد ذكر العلماء أن السماوات والأرض كانتا شيئاً واحداً ثم فرق الله سبحانه وتعالى بينها وفصل بينها.

ثم ذكر الله آية خلق السماوات والأرض والجبال التي جعلها في الأرض لئلا تميد بهم، وجعل السماء سقفاً محفوظاً، وهذه من آيات الله تبارك وتعالى حتى يتفكر الإنسان المخلوق الضعيف، {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ} [النازعات:٢٧] أنت أيها الإنسان الضعيف المخلوق من تراب، هل أنت أقوى أو هذه السماوات وهذه الأرض وهذه الجبال؟ فلم تتطاول على ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من كتاب ربك؟ لِمَ لا تؤمن به؟ ثم قال سبحانه: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ} [الأنبياء:٣٣]، لو شاء الله عز وجل لجعل الليل سرمداً إلى يوم القيامة، ولو شاء لجعل النهار سرمداً إلى يوم القيامة، فمن يعكس هذا ويأتيكم بالأمر الآخر؟ لا أحد يقدر على ذلك إلا الله سبحانه تبارك وتعالى، فخلق الله هذه الأرض وجعلها راحة للعباد، يستريحون عليها، وجعلها مهاداً وفراشاً، وجعل لهم وسائل الراحة فيها، فإن عبدوا الله عز وجل استراحت قلوبهم، وأنزل عليهم البركات من السماء والأرض كما قال: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} [الأعراف:٩٦].

وسبل الراحة يسرها الله عز وجل لخلقه، فالراحة القلبية هي أهم شيء، ولن يستريح قلب الإنسان أبداً وهو بعيد عن الله، {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:٢٨].

وخلق الله عز وجل لك ما تستريح به من أرض من سماء من جبال من ثمار من أشجار من أنهار من بحار، خلق لك أشياء كثيرة، ولو أنك عبدت الله لجعل لك فيها رزقاً حسناً عظيماً، وأنزل عليك البركات من السماء ومن الأرض، فانظر إلى آيات الله وقدرته العظيمة، ومنحه الكريمة التي يعطيها لعباده، وتدبر في آيات الله عز وجل: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ} [الأنبياء:٣٣]، {وَهُوَ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا} [الفرقان:٤٧] {وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا * وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا} [النبأ:٩ - ١٠].

فجعل النوم سباتاً تستغرقون فيه فتنسى الدنيا، وتنسى المشاغل، وهذا من فضل الله عز وجل، ولو أصاب الإنسان الأرق لعرف فضل الله عز وجل عليه في النوم، ولعرف قدر النوم، فمن يحرم من النوم كيف يكون حاله؟ سيذهب عقله من شدة احتياجه إلى النوم، وعدم قدرته عليه، فاحمد ربك سبحانه أنك إذا أويت إلى فراشك، ووضعت رأسك عليه، فمن نعمة الله عز وجل أن جعل النوم سباتاً.

وقال الله: {وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا} [الفرقان:٤٧]، ولذلك كان يقوم النبي صلى الله عليه وسلم من نومه فيقول: (الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور)، فجعل الله الليل لباساً، وجعل النوم سباتاً، وجعل النهار نشوراً، جعل النهار ضياءً تبحث فيه عن رزقك، وجعل الليل مظلماً حتى تستريح من عناء النهار، وحتى يستر الله سبحانه تبارك وتعالى على عباده.

{وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ} [الأنبياء:٣٣]، جعل سبحانه آيتين: آية الليل، وآية النهار، فلا الليل سابق النهار، ولا الشمس تسبق القمر وتدركه، كل في فلك يسبحون، أي: يدورون، الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلكه الذي خلقه الله عز وجل له لحكمة من الله سبحانه تبارك وتعالى.

يقول العلماء: أول ما خلق الله عز وجل هذه الأرض، كانت تدور بطريقة معينة، تدور عكس عقرب الساعة تدور الأرض وهي في مكانها حول نفسها في محور، وتدور حول الشمس في فلك.

قالوا: وكان الليل أربع ساعات والنهار أربع ساعات، ولم يزل دوران الأرض حول نفسها ودورانها حول الشمس يتباطأ حتى وصلت إلى ما نحن عليه: الليل والنهار أربع وعشرون ساعة، يزيد الليل فينقص النهار، ويزيد النهار فينقص الليل.

وتظل الأرض على هذا الحال حتى يأتي أمر الله عز وجل وتطلع الشمس من مغربها.

يقولون: والقمر يدور حول الأرض بطريقة معينة وبعد معين، وفي كل سنة يبعد القمر عن الأرض (٣سم)، ويظل يبعد حتى يأتي أمر الله عز وجل، حيث يدخل القمر في جاذبية الشمس فيجتمعان كما قال الله: {وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} [القيامة:٩] وحينئذ تقوم الساعة.

ويقول هؤلاء العلماء: الأرض تدور بطريقة معينة، وتباطأت بعدما كان الدوران سريعاً أربع ساعات ليل، وأربع ساعات نهار، فوصل الأمر إلى الحال الذي نحن عليه الآن، وستظل تبطئ من دورانها إلى غاية أنها لا تقدر أن تدور من اليمين إلى الشمال عكس عقرب الساعة، وسيأتي عليها ساعة تكون في دورانها معكوسة، قالوا: وإذا انعكست تطلع الشمس من المغرب ولا تطلع من المشرق، وهذا هو الذي قاله لنا النبي صلوات الله وسلامه عليه، فمن علامات الساعة أن الشمس تطلع من مغربها، فهذا أمر الله سبحانه وتعالى الذي يقول لنا: تدبروا في هذا الكون، وهذا كلام الكفار الذين قالوا ذلك ويصدقون ما في كتاب رب العالمين سبحانه تبارك وتعالى، وما في سنة النبي صلى الله عليه وسلم.

قال الله: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [الأنبياء:٣٣]، وحسب ما يريده سبحانه تكون الدورة سريعة أو بطيئة، تطلع الشمس من مشرقها أو تطلع من مغربها، فأمر الله عز وجل لابد أن يكون، فهو خالق ذلك، وهو المتحكم فيه، وهو المدبر لأمره سبحانه.

{كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [الأنبياء:٣٣] الفلك هي الخشبة التي في المغزل، والقمر تابع للأرض يدور حولها، والأرض والقمر كلاهما يدوران حول الشمس، والكواكب التسعة التي في المجموعة الشمسية كلها تجري حول الشمس، وكل كوكب في فلك معين جعله الله سبحانه وتعالى له، لا هذا يخرج من فلكه ولا هذا يخرج من فلكه، كل له مدار لا يصطدم بالثاني.

هؤلاء التسعة الكواكب التي تدور حول الشمس قال العلماء: اكتشفنا كوكباً عاشراً أيضاً، وهو يدور حول الشمس، لكن ما رأيناه، إنما الحسابات الرياضية دلت على وجود كوكب عاشر يدور حول الشمس، وهذا الكوكب الذي اكتشفوه بالعمليات الحسابية يدور في مدار بيضاوي أو حلزوني حول الشمس، ويدور في مدار لا يصطدم مع الأرض أو القمر، والمجرة كلها تتحرك في هذا الكون، والله عز وجل يدير هذا كله، ويقول لك: انظر في السماء وتعجب من خلق الله عز وجل.

<<  <  ج:
ص:  >  >>