للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تفسير قوله تعالى: (قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم)]

قال الله تعالى: {قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [الزمر:١٣]، هذه قراءة الجمهور، وقراءة نافع وأبي جعفر وابن كثير وأبي عمرو: (قل إنيَ أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم)، فهو صلى الله عليه وسلم مأمور بأن يقول ذلك، وأن يعبر عما أحدث الله عز وجل في قلبه من خوف من الله سبحانه، ومن رهبة منه سبحانه، والعبادة على هذين الأمرين: أمر الرغبة والرهبة.

إذاً: للعبادة ركنان: الإخلاص والمتابعة، وللعبادة وصفان: أن يكون الإنسان يرغب فيما عند الله، ويرهب مما عند الله سبحانه وتعالى، ولذلك وصف أنبياءه ورسله الكرام عليهم الصلاة والسلام بقوله تعالى: {وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا} [الأنبياء:٩٠].

فمن يزعم أن أفضل الدين أن يعبد الله بالرهبة فقط، أي: بالخوف من الله فقد كذب، ومن زعم أن أفضل الذين أن يعبد ربه بالرغبة فقط فقد كذب، إنما دين الله يكون بين الأمرين، وهذا خير العبادة، لا كما يزعم فلان أو فلانة وتقول القائلة من هؤلاء: يا رب! إن كنت أعبدك خوفاً من نارك فأحرقني بها، وإن كنت أعبدك طمعاً في جنتك فاحرمني منها.

فلماذا تعبد الله سبحانه وتعالى وهي لا تريد جنة ولا هي خائفة من النار؟! هذا لا يكون، وكأن هذه تزعم أنها أرقى وأعلى من مراتب الأنبياء والرسل الذين قال الله عز وجل فيهم عليهم الصلاة والسلام: {وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا} [الأنبياء:٩٠]، وقال عن نبيه سيد الخلق صلوات الله وسلامه عليه: {قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [الزمر:١٣]، فهو يخاف من عذاب يوم القيامة صلوات الله وسلامه عليه.

فيدعو النبي صلى الله عليه وسلم ربه سبحانه خائفاً من الله، وكم تعوذ بالله من النار، وكم سأل ربه الجنة، فجاء الرجل الذي كان يقول للنبي صلى الله عليه وسلم: (إني أدعو في الصلاة أسأل الله الجنة، وأتعوذ بالله من النار، ولا أدري ما دندنتك ولا دندنة معاذ) يعني: أنت تقول كلاماً كثيراً في الدعاء لا أعرف أن أقوله، ومعاذ كذلك يقول كلاماً كثيراً وأنا لا أعرف هذا الكلام، ولكن أقول: يا رب! أسألك الجنة وأخاف من النار، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (حولها ندندن)، فلابد أن نخاف من النار فنتعوذ بالله من النار، ونحب الجنة، فنسأل الله عز وجل جنته.

فالإنسان لا يبالغ في دعوى المحبة لله عز وجل حتى يكون في النهاية زنديقاً والعياذ بالله، خارجاً عن دين الله، فلا يصح أن يقول الإنسان لربه: أنا لا أخاف من نارك، أنا لا أريد جنتك، أنا أحبك فقط، هذا لا يكون أبداً؛ لأن العبادة التي تكون لله لا بد أن يكون فيها كمال الحب لله، مع كمال الذل لله سبحانه وتعالى، وهذا لا يكون إلا لله وحده لا شريك له، وقد يكون في الدنيا الإنسان يحب إنساناً فيبالغ في محبته، يحب زوجته ويحب إنساناً أو إنسانة فيبالغ في ذلك، ولكن هو لا يخاف منها، فهذه ليست عبادة، هذه محبة.

وقد يخاف إنسان من حاكم ظالم، يرعب من ذكر اسمه، ولكنه لا يحبه، أما مع الرب سبحانه وتعالى لا بد من الاثنين: كمال الحب لله عز وجل، مع كمال الذل بين يديه، والخوف منه سبحانه وتعالى.

قال تعالى: {قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [الزمر:١٣] أي: يوم القيامة نسأل الله العفو والعافية.

<<  <  ج:
ص:  >  >>