[المرأة المؤمنة تقر في بيتها ولا تتبرج]
قال تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب:٣٣] من القرار وهو المكوث في البيوت، ومن الوقار، أي: ليكن عليكن الوقار والسكينة، ولا تخرجن من البيوت إلا للحاجة وللضرورة.
ثم قال تعالى: {وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} [الأحزاب:٣٣]، أي: واحذرن تقليد أهل الجاهلية الأولى، وهي ما كان قبل الإسلام، سواء ما كان قبله مباشرة أو ما كان قبله بزمان طويل حتى إلى عهد آدم على نبينا وعليه الصلاة والسلام، وهو ما كان من جهل في الناس واتباع للشيطان بتبختر النساء وخروجهن متزينات يفتن الرجال، فنهى الله سبحانه وتعالى نساء نبيه عليه الصلاة والسلام عن تقليد هؤلاء.
فالشيطان يوقع العداوة والبغضاء بين الناس، ولا يحب أن يكون الإنسان مطيعاً لله سبحانه، فهو يبغض بني آدم لأن آدم عليه السلام كان سبب دخول الشيطان النار، وذلك حين أمر الشيطان بالسجود لآدم فرفض، كما قال تعالى: {أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [البقرة:٣٤]، أي: جحد وكفر واستكبر فاستحق أن يكون من أهل النار، والعياذ بالله.
فقال لله عز وجل: {فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص:٨٢]، أي: لن أدخلها وحدي، وإنما سأدعو كثيراً من الناس إليها، فانظر استكبار الشيطان، وانظر رده على ربنا سبحانه: {فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص:٨٢] وقال في موضع آخر: {ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} [الأعراف:١٧].
فالشيطان يتربص بالفتاة المؤمنة وبالإنسان المؤمن حتى يغويه ويضله عن سبيل الله، والله عز وجل هدى الإنسان بهذا الكتاب العظيم وبين حدوده سبحانه، وحذر من تعدي هذه الحدود.
وقال تعالى: {إِنَّمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ} [محمد:٣٦]، فالحياة قصيرة جداً، فمهما ظننت أنها طويلة فإنك تجد الأيام والليالي سرعان ما تمر حتى تجد العمر قد فني وبعد ذلك تقابل ربك سبحانه وتعالى.
فليحذر الإنسان أن يغتر بالدنيا، أو أن يغتر بالشيطان أو بالشهوات والشبهات فيقع في المحرمات ويجادل بالباطل كما قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ * كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ} [الحج:٣ - ٤]، فمن تبع الشيطان أغواه وأضله عن سبيل الله تبارك وتعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ * ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الحج:٨ - ٩].
أي: من الناس من يجادل في الله بلا علم ولا هدى ولا كتاب من الله تبارك وتعالى، ويتبع الشيطان فيما يقوله له: {ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الحج:٩]، فالشيطان استكبر، وأولياء الشيطان يستكبرون أيضاً فيرفضون الحق الذي جاء من عند الله ويتبعون الشيطان على ما هو فيه من باطل وقد عرفوا أنه عدو لهم.
فأخبر الله سبحانه: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر:٦].
وهنا يخبر الله سبحانه وتعالى ويبين ما يريده بأهل البيت وكذلك بالمؤمنين الذين يتبعونهم، فقال جل وعلا: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب:٣٣]، أي: يريد الله أن يطهركم تطهيراً بهذه الأحكام، من عدم اتباع الهوى والشيطان، وعدم مخالطة الرجال، فاحذروا من الوقوع فيما حرم الله سبحانه من الفتن ومن الغرور ومن تقليد أهل الجاهلية الأولى.