تفسير قوله تعالى: (أشحة عليكم وكان ذلك على الله يسيراً)
قال الله سبحانه: {أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ} [الأحزاب:١٩] أي: أبخل الناس عليكم.
والشحيح هو الإنسان الذي يضن بما في يده، بل وبما في يد غيره أيضاً، فهم يمتنعون عن إعطائكم أي خير، ولا يوجد في هؤلاء خير، فلا يواسونكم بألسنتهم، ولا يعطونكم من أموالهم، بل هم في غاية الشح.
وقال تعالى: {فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ} [الأحزاب:١٩] فصورتهم في وقت الخوف في غاية من الرعب، والإنسان الجبان غير مستقر في مكانه من شدة رعبه، ((تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ)) أي: تتحرك في كل مكان يريدون أن يهربوا إلى مكان آمن.
قال تعالى: {كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ} [الأحزاب:١٩] كأن الموت آتيه لا محالة.
قال تعالى: {فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ} [الأحزاب:١٩] أي: أنهم في وقت الخوف مرعوبون خائفون، يبحثون عن حماية، فإذا ذهب الخوف تشجعوا وظهروا.
وقوله تعالى: {سَلَقُوكُمْ} [الأحزاب:١٩] السلق بمعنى رفع الصوت وإكثار الكلام، ومنه السالقة والصالقة بالسين وبالصاد بمعنى: الرافعة صوتها، فذم النبي صلى الله عليه وسلم عن الصالقة والحالقة والشاقة ودعا عليهن.
والمرأة الصالقة: هي التي تصوت، والحالقة: هي التي تحلق رأسها عند المصيبة، والشاقة: هي التي تمزق ثيابها عندما يموت لها قريب، فالتي تصنع ذلك معلونة، فالصلق والسلق بمعنى رفع الصوت.
والمعنى: أظهروا الجراءة والبجاحة والكلام بالصوت العالي، والشتم والنبذ في المسلمين.
وقوله تعالى: {سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ} [الأحزاب:١٩] أي: ألسنتهم حادة مثل الحديد الشديد، ففي وقت عدم الخوف فإنهم يتكلمون على المؤمنين، فيقولون مثلاً: لا يعرف كذا، أو هؤلاء المجاهدون الذين أنفقوا فإنهم يراءون الناس في الإنفاق، فمن أنفق منهم شيئاً قليلاً، قالوا فيه: ربنا غني عن هذا الشيء، فلا يعجبهم من أنفق كثيراً أو قليلاً.
فالمجاهدون من المؤمنين لم يعملوا أي شيء، فلو كنا نحن كنا عملنا.
وهم لا يفعلون لا قليلاً ولا كثيراً، قال سبحانه: {أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ} [الأحزاب:١٩] أي: ما عندهم خير لا في كلامهم ولا في فعالهم ولا في إنفاقهم.
قال تعالى: {أُوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ} [الأحزاب:١٩] أي: أن الدافع لهم إلى ذلك هو عدم الإيمان في القلوب، فأحبط الله أعمالهم، أي: أبطل ما أظهروه من أعمال ظاهرها الخير وحقيقتها الرياء، فلا ثواب لهم.
وقوله تعالى: {وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} [الأحزاب:١٩] أي: إحباط أعمالهم على الله يسير، هذا المعنى الأول.
والمعنى الآخر: كان نفاقهم عند الله لا قيمة له؛ لأن هؤلاء لا ينصرون دين الله، إنما ينصر دين الله من آمن بالله سبحانه، والله غني عن عباده.
نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من عباده الناصرين دينه، المدافعين عنه، المخلصين له.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.