قال الله عز وجل يمدحهم:{أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ}[المؤمنون:٦١]، أي: ويسابقون فيها، والخير لا بد أن يسبق إليه الإنسان المؤمن، كما قال الله عز وجل:{سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ}[الحديد:٢١]، وقال تعالى:{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ}[آل عمران:١٣٣].
فالإنسان المؤمن يسارع ويسابق إلى الخير، وأما الشر فهو بطيء عنه ومتباعد عنه، فلا يريد أن يقع فيه؛ لأنه يخاف من الله.
فأولئك المؤمنون (يسارعون في الخيرات) أي: في جميع وجوه الخير، وهذه عادة الإنسان المؤمن أنه يحاول أن يحصل الطاعة من كل وجوهها، ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، فإذا قدر أتى بالفريضة، والنافلة، وأتى بكل ما أمر الله عز وجل به ما استطاع سبيلاً إلى ذلك، فهو يسارع في الخيرات، ويخشى أن يسوف.
وأما الإنسان طويل الأمل فإنه يبدأ ويقول: غداً سوف أصلي وغداً سوف أصوم وغداً سوف أتوب وغداً سوف أعمل كذا، ثم لا يأتي غداً هذا الذي يزعمه، وقد يأتي عليه الموت قبل أن يتوب، وأما الإنسان المؤمن فإنه يسارع؛ لأنه لا يدري ما الذي سيحدث له بعد ذلك، فهو يفعل الخير الذي نواه، ولا يؤجله، فلعله يموت قبل أن يفعله، وإن كانت نية الخير يؤجر عليها، ولكن فرق بين من نوى وعمل، وبين من نوى ولم يعمل.
والإنسان الذي يعمل تضاعف له الحسنة بعشر أمثالها، إلى أضعاف مضاعفة مما يشاء الله سبحانه، وأما الذي نوى ولم يعمل فلعل الذي منعه عن العمل بخله بالطاعة، فتكون لا له ولا عليه، ولعل الذي منعه شيء من قدر الله سبحانه وتعالى ولو استطاع لفعل، فهذه يأجره الله عز وجل وقد يضاعف له، ولكن ليست المضاعفة للإنسان الذي نوى وعمل كالمضاعفة للإنسان الذي نوى ولم يعمل، والأمر إلى الله سبحانه يفعل ما يشاء.
فالإنسان المؤمن يحرص على ألا تضيع منه طاعة من الطاعات، وألا يضيع عليه أجر من الأجور، فهو يسارع ويسابق بالخير كي يملأ كتابه عند ربه سبحانه من الثواب ومن الحسنات، كما قال تعالى:(أُوْلَئِكَ)، أي: المؤمنون (يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ)، أي: سبقت لهم من الله عز وجل السعادة فسارعوا في الخيرات، وقالوا: معناها: هم من أجل الخيرات سابقون فهم مسابقون لغيرهم، وسابقون لهم في الطاعة، كما قال تعالى:{وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ}[المطففين:٢٦] قال تعالى: (وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ)، أي: لجنة رب العالمين هم من السابقين الذين يحرصون على ذلك، فسبقوا غيرهم، وسبقت لهم من ربهم الحسنى، فهم سابقون.
وقد قال الله عز وجل عن هؤلاء:{إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا}[الأنبياء:١٠١]، أي: عن النار، {مُبْعَدُونَ}[الأنبياء:١٠١].