وقوله:{وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ}[غافر:٥٥]، أمر أن يسبح الله في أول النهار وفي آخر النهار، فالعشي: وقت العصر، والإبكار: وقت الفجر، فأمره أن يستغفر الله وأن يسبح حامداً ربه، والتسبيح: هو التنزيه.
وقالوا معناه: صل في هذا الوقت في العشي والإبكار، وكانت الصلاة في العهد المكي أن يصلي مرتين في اليوم عليه الصلاة والسلام قبل أن يسرى به ويعرج به إلى السماء وتفرض عليه الصلوات الخمس المعروفة، فكان قبل ذلك يصلي ركعتين أول النهار وركعتين آخر النهار، حتى علم صلى الله عليه وسلم كيف يصلي الخمس الصلوات، ونزل جبريل فصلى بالنبي صلى الله عليه وسلم أول صلاة من الصلوات الخمس المفروضة وهي صلاة الظهر؛ ولذلك تسمى صلاة الظهر: الصلاة الأولى، لا لكونها أول صلاة في اليوم، ولكن لأن جبريل أول ما علم النبي صلى الله عليه وسلم وصلى به إماماً صلاة الظهر.
فقوله تعالى:{وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ}[غافر:٥٥]، على عموم التسبيح والحمد، وأيضاً على خصوصية معنى الصلاة، ولذلك تسمى صلاة النافلة صلاة التسبيح أو صلاة السبحة، بمعنى: صلاة التطوع، فالأمر هنا بالصلاة التي فيها ذكر الله وتسبيح الله وتحميد الله، والأمر هنا بأن يذكر الله في هذين الوقتين.
وقد علم النبي صلى الله عليه وسلم المؤمنين الذكر في هذين الوقتين: بعد الفجر، فالملائكة تحضر الذكر في هذا الوقت، وبعد العصر أيضاً، قال صلى الله عليه وسلم:(يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل والنهار، فيعرج الذين باتوا فيكم)، أي: يعرجون بعد الفجر (فيسألهم الله سبحانه وتعالى كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: أتيناهم وهم يصلون -أي: صلاة العصر-، وتركناهم وهم يصلون)، أي: الفجر، وهكذا تطوف الملائكة على بني آدم في صلاة الفجر وفي صلاة العصر، فالمستحب كثرة ذكر الله عز وجل في هذين الوقتين.