[تفسير قوله تعالى: (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس)]
يقول سبحانه: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم:٤١].
الله خلقكم وتكفل لكم برزقكم، ولم يترككم كل شخص يرزق الثاني، لا، وإنما الله هو الذي يرزقكم، فإذا بالإنسان لطمعه وجشعه يقطع عن نفسه رزقاً حلالاً، ليأخذ من الشيء الحرام، فيعاقبه الله عز وجل بالتقتير والتقدير عليه: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم:٤١].
ظهور الفساد في البر والبحر بسبب العباد، فظهرت المعاصي، وأعظم وأفظع المعاصي الشرك بالله سبحانه، وما دون ذلك من كبائر وصغائر، فلما ظهرت هذه الأشياء ظهرت نتائجها، فظهور الفساد له سبب وراءه، فالعباد عندما يعصون الله سبحانه سلط عليهم غيرهم وأنفسهم، بدءوا بالفساد فكانت النتيجة فساداً أشد، أفسد العباد فصاروا يشركون بالله، ويرجون غير الله سبحانه، ويعصون الله سبحانه، ويأكلون الربا والمحرمات، ويواقعون الفواحش، وتتبرج النساء، ويقعون فيما يغضب الله سبحانه تبارك وتعالى، فهذا فساد في البر وفي البحر.
يفسد العباد بقطع الطريق في البر والبحر، وبالظلم لبعضهم بعضاً، ويضيق بعضهم على بعض، ويحارب بعضهم بعضاً، فإذا بالله يعاقبهم على ذلك، فيقلل عنهم المطر، وتأتي الرياح الشديدة، وتأتي الأمطار وتنزل في الصحراء فلا ينتفعون بها! فيمنع عنهم شيئاً من رحمته سبحانه تبارك وتعالى، ويضيق عليهم في رزقهم، ويذهبون للبحار ليصيدوا فبعدما كانت البحار تطلع أسماكاً كثيرة لا يجدون إلا القليل، فالذي ضيق عليهم أرزاقهم هو معاصيهم وما كسبت أيديهم، فضيق الله عليهم فأقحطهم ومنع عنهم المطر، وضيق عليهم في أرزاقهم فكسدت تجارتهم.
يقول الله: {بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ} [الروم:٤١] هذه قراءة الجمهور، وقراءة قنبل بخلفه وقراءة روح (لنذيقهم) بنون التعظيم لله عز وجل فهو يقول: نذيق هؤلاء عذاباً في الدنيا دون عذاب الآخرة.
قوله: {لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا} [الروم:٤١] سبحان الله! هذا من رحمة رب العالمين سبحانه، لعل العباد يتوبون ويرجعون إلى الله، قال: {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم:٤١].
فلو أصابهم بكل ما عملوا لأفناهم سبحانه تبارك وتعالى: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ} [فاطر:٤٥]، ما ترك على ظهر هذه الأرض من دابة، ولكن يؤاخذهم ببعض ذنوبهم لعلهم يرجعون إلى الله، فإذا لم يرجعوا إلى الله بقيت المؤاخذة ببعض الذنوب في الدنيا، والمؤاخذة الحقيقة والجزاء والعذاب عند الله يوم القيامة.
نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.