[منازل الشمس والقمر]
قال تعالى: {لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس:٤٠].
إذاً: هذا القمر قدر له الله سبحانه ثمانية وعشرين منزلة ينزل في كل ليلة في منزلة معين لا يخطئه، فالشمس تجري في مستقر لها في جريانها ونزولها، والله عز وجل قدر أشياء لا تخطئ.
قال عز وجل: {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} [يس:٣٩]، كما أن الشمس تجري إلى مستقرها كذلك القمر قدر الله عز وجل له منازل، أي: جعل له منازل ينزل فيها حتى عاد كالعرجون القديم.
وقراءة الجمهور: {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ} [يس:٣٩] كأنه منصوب على الاشتغال؛ لأن الفعل نفسه: قدرنا القمر منازل، هذه جملة من فعل وفاعل ومفعولين، والتقدير هنا: أنزلناه، (والقمر)، مفعول منصوب، والفعل الذي بعده شغل بمفعوله، ولذلك يسمى هذا بالمفعول على الاشتغال؛ لأن فعله نصب ضميره.
وقرأها نافع وأبو جعفر وأبو عمرو وروح عن يعقوب: (والقمرُ قدرناه منازل)، كأنه قال: آية لهم الشمس وآية لهم القمر.
فالقمر آية من آيات الله سبحانه، والشمس آية من آيات الله سبحانه تبارك وتعالى، فقدر للشمس ما تجري فيه من مدار في فلك معلوم حتى يأتي وقت استقرارها، وكذلك القمر قدر له الرب تبارك وتعالى منازل كل ليلة ينزل في منزلة معينة.
{حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ} [يس:٣٩].
العرجون: هو عذق النخلة الأحمر الذي فيه البلح، والعرجون لو تتركه فترة حتى ييبس يزداد انحناؤه ويصفر لونه، وكذلك القمر يصير كالعرجون القديم قبل أن يستتر في آخر الشهر، فهو في نصف الشهر يكون مكتملاً، ثم يتناقص شيئاً فشيئاً حتى يصير كالعرجون القديم.
{لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس:٤٠].
في الماضي لم يكونوا يعرفوا مدار أحدهما فهم يرونها في الفضاء فقط، لكن علماء الفلك الآن حددوا المدار الذي تبتدئ منه الشمس، ومستحيل أن يتقابل مدار الشمس مع مدار القمر في يوم من الأيام من أجل أن تدرك هذا القمر أو تلمسه.
(ولا الليل سابق النهار) ولكن الليل في مكان والنهار في مكان آخر، يتواليان على الكرة الأرضية، لا الليل سيجري فيدفع النهار ويسبقه، ولا النهار يسبق مع الليل، ولكن كل في فلك يسبحون.
وكل هذه الأجرام التي خلقها الله سبحانه في فلك سباحة، وهذا التعبير أعظم وأجمل من أن يقول: يجرون؛ لأن فيها معنى الجري والدروان فقط، والسباحة تدل على أن ما فوقه وتحته فراغ، كالإنسان عندما يدخل في الماء لا يعوقه شيء لا من فوق ولا من تحت، كذلك هذه الشمس وهذا القمر والأجرام كلها تسبح في هذا الفضاء، والإنسان لا يدري كيف تسبح إلا بقدرة الله تبارك وتعالى.