للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[استشارة النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه]

ولقد أقام النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الحصار بضعاً وعشرين ليلة، فغزوة الأحزاب ليس معناها أنها كانت يوماً واحداً، بل ظلت بضعاً وعشرين يوماً على هذا الرعب وهذا الخوف، والكفار كانوا مستعدين يبحثون عن مكان يدخلون منه على المسلمين، والمسلمون كانوا متحصنين بهذا الخندق، ومن ثم قد يخرج اليهود عليهم من الخلف، ولكن تحدث من الله عز وجل المعجزة والنصر للمؤمنين وهم على ذلك.

وحصل بين الكفار والمسلمين مناوشات بالرماح والرمي بالأحجار، ولم يصل بعضهم إلى بعض بسبب الخندق، ولما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن البلاء قد اشتد على المسلمين وأصابهم الخوف، ومن ثم بدأ الشك في قلوبهم وذلك لخيانة اليهود أراد أن يذهب عنهم هذا الخوف، فلجأ إلى أن يعمل معاهدة بينه وبين بعض الكفار، أن يكفون عن القتال ويعطيهم شيئاً، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يصنع ذلك لا خوفاً على نفسه عليه الصلاة والسلام، لكن خوفاً على المؤمنين الذين زاغت أعينهم واضطربت قلوبهم.

فأرسل إلى عيينة بن حصن الفزاري وإلى الحارث بن عوف المري وهما قائدا غطفان فجاءا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأراد صلى الله عليه وسلم أن يعطيهم ثلث ثمار المدينة ويكفون عن الحرب.

إذاً هنا نصف جيش الكفار سيرجع ويبقى خمسة آلاف وعدد المسلمين ثلاثة آلاف، فالعدد يكون متكافئاً بينهما، فالنبي صلى الله عليه وسلم شاور الأنصار، كان ليفعل شيئاً حتى يستشير أصحابه عليه الصلاة والسلام.

فشاور سعد بن معاذ وسعد بن عبادة على أن يعطيهم ثلث ثمر المدينة ويرجعوا عن الحرب.

والمشاورة دائماً تكون مع كبار القوم أهل الحكمة وأهل العلم وأهل الإيمان، فلا يمكن أن يأتي النبي صلى الله عليه وسلم إلى جيش عدده ثلاثة آلاف مقاتل ويستشيرهم واحداً واحداً، ولكن يشاور الكبار مثل سعد بن معاذ وسعد بن عبادة رضي الله عنهما، فالكبير دائماً عنده أدب وعنده رأي وحكمة، فقالا للنبي صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله! هذا أمر تحبه فنصنعه لك؟ أو شيء أمرك الله به فنطيعه؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بل أمر أصنعه بنفسي)، أي: لم يأمرني ربي ولا أريد هذا الشيء ولكن من أجل الخوف الذي ملأ قلوب الناس قلت لكم هذا الأمر.

أو قال صلى الله عليه وسلم: (والله ما أصنعه إلا أني قد رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة، فقال سعد بن معاذ رضي الله عنه: يا رسول الله! والله لقد كنا ونحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله وعبادة الأوثان لا نعبد الله ولا نعرفه وما طمعوا قط أن ينالوا منا ثمرة إلا قرى أو بيعاً، أفحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا إليه وأعزنا بك نعطيهم أموالنا، والله لا نعطيهم إلا السيف، حتى يحكم الله بيننا وبينهم.

فسر رسول صلى الله عليه وسلم)، أي: فرح صلى الله عليه وسلم بذلك؛ لأنه لم يرد غير ذلك عليه الصلاة والسلام، وقال: (أنتم وذا، وقال للاثنين من رؤساء الكفار: انصرفا فليس لكم عندنا إلا السيف).

<<  <  ج:
ص:  >  >>