ذكر الله سبحانه الحجاب في هذه الآيات، بأن تحتجب المرأة فتستتر بثيابها من رأسها إلى أخمص قدميها، وحجاب زائد على هذا وهو أن تحجب شخصها حتى لا يرى، فتكون ستارة بينها وبين الناس، فهذا الحجاب الثاني خاص بنساء النبي صلوات الله وسلامه عليه زيادة في الحيطة وزيادة في الاحتراز والتفضيل لهن، وكأن أقرباء نساء النبي صلى الله عليه وسلم سألوا النبي صلى الله عليه وسلم: وهل نحن كذلك؟ يعني: الخطاب هو لأمهات المؤمنين، فمنع الله عز وجل المؤمنين أن يسألوا نساء النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً إلا من وراء حجاب، أما الأقارب من الآباء والأبناء والإخوة؟ فأنزل الله سبحانه فيهم:{لا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلا أَبْنَائِهِنَّ وَلا إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلا نِسَائِهِنَّ وَلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا}[الأحزاب:٥٥].
فلا جناح على نساء النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهن أولى، فالآباء، والأبناء والإخوة وأبناء الإخوة وأبناء الأخوات وكذلك النساء اللاتي يدخلن عليهن وملك اليمين لا جناح عليهن في ذلك.
والله عز وجل ذكر الأب، والمقصود الأب وإن علا، فيدخل الجد وأبوه وهكذا، سواء كان الجد من ناحية الأب، أو من ناحية الأم، فهؤلاء يجوز لهم أن يدخلوا على النساء ويجلسوا معهن، والمرأة من نساء النبي صلى الله عليه وسلم تحتجب بشخصها من غير هؤلاء، وغير نساء النبي صلى الله عليه وسلم تحتجب باللباس من غير هؤلاء.
فالأب يرى ابنته وهي في ثياب مهنتها أو في ثياب البيت، فيجوز أن يرى وجهها وشعرها ورقبتها وذراعها ورجليها، لكن عليها أن تستر منه صدرها، وبطنها، وركبتيها، ونحو ذلك، ومثل الأب مع ابنته الابن والأخ وغيرهما من محارمها.
قوله:{وَلا أَبْنَائِهِنَّ}[الأحزاب:٥٥] والمقصود الابن وإن نزل، أي: الابن وابن الابن والبنت وبنت الابن وبنت البنت وابن البنت وهكذا إن نزلوا، فهؤلاء كلهم أبناء، فلا جناح عليهن في ذلك.