مما جاء عن خالد الربعي أنه قال: كان لقمان نجاراً فقال له سيده: اذبح لي شاة، وأتني بأطيبها مضغتين، فأتاه باللسان والقلب، فقال له: ما كان فيها شيء أطيب من هذين؟ فسكت، ثم أمره بذبح شاة أخرى ثم قال له: ألق بأخبثها مضغتين، فألقى اللسان والقلب! فقال له: أمرتك أن تأتيني بأطيب مضغتين فأتيتني باللسان والقلب، وأمرتك أن تلقي أخبثها فألقيت اللسان والقلب، فكأنه يقول: ما الحكمة في ذلك؟
و
الجواب
أن الإنسان أطيب ما فيه لسانه وقلبه وهما أخبث ما فيه.
فصاحب اللسان الطيب لا يخرج منه إلا الكلام الطيب، وكل إناء بما فيه ينضح، فاللسان دليل على ما في قلب الإنسان؛ لذلك قال لقمان رضي الله عنه: ليس شيء أطيب منهما -أي: القلب واللسان- إذا طابا، ولا أخبث منهما إذا خبثا.
وهذا مصداق لما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم:(ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب)، فقلب الإنسان إذا صلح صلحت سائر جوارحه، وإذا فسد فسدت سائر جوارحه.
وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً:(من وقاه الله شر اثنتين ولج الجنة، ما بين لحييه ورجليه)، يقصد لسانه وفرجه، فإذا وقى الله سبحانه الإنسان شر لسانه وفرجه استحق أن يكون من أهل الجنة.
فاللسان قد يكب الإنسان على منخره في النار والعياذ بالله؛ ولذلك جاء في حديث معاذ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(ثكلتك أمك يا معاذ! وهل يكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم).
وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً:(كل أمتي معافى إلا المجاهرين)، وهذا من أثر اللسان، والمجاهر فسر بقوله عليه الصلاة والسلام:(وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره الله فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر ربه)، فهذا المجاهر، السبب في أنه استحق عذاب الله عز وجل لسانه، فلعله عمل معصية فبات عليها، ولو أنه قام فتاب إلى الله سبحانه لتاب الله عليه، لكنه ذهب قائلاً: يا فلان عملت البارحة كذا، كأنه يفتخر بهذه المعصية فيجاهر بها، فاستحق عذاب الله سبحانه فلا يعافيه الله؛ لأنه فضح نفسه، فكان اللسان آفته فأوقعه في النار والعياذ بالله.
وقد قيل لـ لقمان أي الناس شر؟ قال: الذي لا يبالي إن رآه الناس مسيئاً.
وهذا هو معنى ما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم:(كل أمتي معافى إلا المجاهرين)، فالإنسان الذي يسيء ولا يبالي ليس عنده حياء، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:(إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت)، وليس المعنى: أنه أمر بفعل ما يشتهيه من لا حياء له، لكنه تهديد، أي: أن اعمل وأنت قليل الحياء وانتظر عقوبة الله وناره يوم القيامة.