للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

تفسير قوله تعالى: (وجعلوا بينه وبين الجنة نسباً)

قال الله تعالى: {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ} [الصافات:١٥٨]، قوله: ((وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ)) أكثر المفسرين على أن الجنة هنا بمعنى الملائكة، والجنة أصلها من جنة الشيء بمعنى خفي واستخفى، فالملائكة سموا جناً لعدم ظهورهم أو أنها مأخوذة من الجنة، والجنة بمعنى الجنان وأنهم خزانها، فكأن المعنى: كيف أن هذه الملائكة الخفية تزعمون أنهم بنات الله سبحانه وتعالى؟! {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا} [الصافات:١٥٨] وكأن النسب هنا بمعنى المصاهرة أو بمعنى الأولاد، فهم جعلوا الملائكة بنات له، تقول: أنا أنسب لأبي، وأنسب لجدي وهكذا، فكأنهم نسبوا الملائكة إلى الله، فقالوا: الملائكة بنات الله، سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيراً؛ فهؤلاء العرب زعموا ذلك، منهم: جهينة، وخزاعة، وبنو مليح، وبنو سلمة، وبنو عبد الدار، فهؤلاء مجموعة كانوا يزعمون أن الملائكة بنات له، وأن الله اصطفى من الملائكة من ناسبهم وتزوج منهم وكان له منهم البنات، تعالى عما يقولون علواً كبيراً، قال مجاهد: ذكروا ذلك لـ أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فقال أبو بكر رضي الله عنه: فمن أمهاتهم؟ أي: إذا كان الملائكة بنات الله فمن أمهاتهم؟ فقالوا: مخدرات الجن، والمرأة المخدرة هي المختبئة في البيت، فكان عند العرب المرأة المخدرة هي المرأة الشريفة التي تكون في بيتها مصونة، فزعموا أن الجن منهم مخدرات يعني: أن من الجن شريفات عفيفات محبوسات في البيوت فتزوج الله عز وجل منهم، حاشا له سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيراً.

وقال سبحانه: {وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ} [الصافات:١٥٨]، سواء كان الجنة الملائكة أو الجن فهم محضرون لحساب يوم القيامة، فإذا كان الله عز وجل يجمع الرسل ويأتي بالمسيح عيسى بن مريم فيسأله الله سبحانه وتعالى وهو أعلم أنهم كذبوا عليه {أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} [المائدة:١١٦]، ومع ذلك سيسأله الله أمام الخلق: هل أنت قلت ذلك؟ فإذا كان هذا المسيح والله عز وجل يعلم أنه صادق فكيف بغيره؟ فالله يأتي بالجميع الملائكة والجن والإنس وكل خلقه ويسأل: هل أنتم بنات الله كما قيل عنكم؟! إذاً: علمت الجنة أنهم محضرون بين يدي الله سبحانه، وعلمت الشياطين أنهم محضرون للعذاب يوم القيامة.

<<  <  ج:
ص:  >  >>