تفسير قوله تعالى:(وإذْ نادى ربك موسى فأرسل إلى هارون)
لقد ذكر سبحانه بعد ذلك قصة موسى صلوات الله وسلامه عليه، وقصة موسى تكررت في القرآن في مواطن كثيرة من القرآن، وموسى عليه الصلاة والسلام كان صاحب شريعة قبل نبينا صلوات الله وسلامه عليه، فذكر موسى وذكر محمد للتشابه، يعني: أن كليهما هذا صاحب شريعة، وهذا يدل على أن عيسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام جاء مكملاً ومتمماً لما جاء به موسى صلوات الله وسلامه عليه، فقد جاء ليحل لهم بعض الذي حرم عليهم، وليحكمهم بالتوراة التي جاء بها موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام، وجاء عيسى بالإنجيل وهو كتاب مواعظ وليس شريعة، لكن التوراة هي التي حكم بها المسيح صلوات الله وسلامه عليه، ولذلك لما يذكر ربنا القرآن يقول لنا:{وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً}[هود:١٧]، أي فهناك تشابه بين القرآن وكتاب موسى، لكن القرآن أعظم كتب الله سبحانه وتعالى، وهو ناسخ لغيره من الكتب إلى قيام الساعة، وهو الذي يعمل به إلى قيام الساعة، وإذا نزل المسيح حكم بهذا القرآن العظيم.
فيقول ربنا سبحانه وتعالى هنا:{وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}[الشعراء:١٠]، قوله:(وإذ) أي: اذكر وقت، قوله:(وإذ نادى ربك موسى) هذه القصة قصة عجيبة جداً بطولها في القرآن، فكلما قرأت في موضع تجد فيها أشياء موجودة في مكان آخر وأشياء غير موجودة، فالإنسان في هذه القصة يجد أنها تكررت في القرآن، في سورة البقرة تجد ذكر موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام، وفي سورة الأعراف، وهود، ويونس، وطه، والقصص، والشعراء، والنمل، ومع كثرة ذكر قصة موسى فإنك لا تمل من القراءة، فإنك عندما تقرأ القصة في موضع تتبين أشياء وتكتسب معرفة لم تكن تعرفها قبل ذلك، بخلاف لو أنك تقرأ قصة يكتبها إنسان مرة ومرتين وثلاثاً فإنك تمل منها، لكن القرآن لا يمل منه قارئه أبداً، فكلما قرأ يجد شيئاً جديداً لم يكن ينتبه له قبل ذلك.
إن قصة موسى ذكرت قبل ذلك مراراً في عدة سور من القرآن، وفي كل سورة يذكرها بما يناسب السورة التي ذكرت فيها، فأنت حين تقرأ القصة في سورة الأعراف تجد القصة متسلسلة معها، وكذلك عندما تقرأ القصة في سورة طه تجد القصة متسلسلة معها، وهنا في هذه السورة كذلك، فسبحان الله! ما أعظم هذا القرآن وما أجمله! فتجد القصة لا تتنافى أبداً مع السياق الكلي للسورة، فهي متسلسلة على نمط معين.
فهنا قبل ذكر القصة قال الله سبحانه:{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ * وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ * قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ * وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ}[الشعراء:٨ - ١٣]، فتجدها منسقة على نفس الوزن الذي عليه السورة جميعها.
فيذكر ربنا سبحانه وتعالى هنا أن موسى عليه الصلاة والسلام أمره ربه {أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}[الشعراء:١٠] أي: بعدما صار رسولاً عليه الصلاة والسلام، وفي سورة القصص يذكر لنا قصته من ولادته، وكيف كان فرعون يقتل الأولاد من بني إسرائيل، وأما هنا فأراد ذكر شيء معين ألا وهو ذكر الرسالة، فنبه بها واستطرد فيها، وذكر كيف أن موسى عليه السلام أقام الحجة على فرعون، وكيف أنه وقف صلباً أمامه يجادله ويقرعه بالحجة، ولا يخاف منه؛ لأن الله قد ثبته عليه الصلاة والسلام.