للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تفسير قوله تعالى: (ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الأدبار)]

قال الله تعالى: {وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا} [الأحزاب:١٥].

فقوله تعالى: {وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ} [الأحزاب:١٥] أي: أنهم عاهدوا الله قبل ذلك كما في غزوة أحد أو في غزوة بدر، كأنهم لم يشهدوا مع النبي صلى الله عليه وسلم هاتين الغزوتين؛ فلذلك قالوا: لو شهدنا الغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم سترون الذي نصنعه.

والفرق بين المؤمنين والمنافقين، أن المنافقين يتكلمون كثيراً، ويعدون كثيراً، ولا ينفذون ما يقولونه.

أما المؤمنون فإنهم يخافون الله، يروى أن رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم تخلف عن النبي صلى الله عليه وسلم في يوم بدر، فقال: لو أشهدني الله تبارك وتعالى مع النبي صلى الله عليه وسلم ليرين الله ما أفعل.

وخاف أنه يقول: سأفعل كذا ولكن قال: ربنا ينظر الذي سأفعله.

فلما حضر مع النبي صلى الله عليه وسلم في يوم أحد قاتل قتالاً شديداً حتى قتل رضي الله تبارك وتعالى عنه.

فكان الذي قاله: ليرين الله ما أصنع فقط، ولم يزد على ذلك.

أما المنافقون فيتكلمون كثيراً فيقولون: لئن شهدنا سنفعل وسنفعل، وسترون منا الشجاعة والإقدام والتثبيت، وعهدٌ علينا إذا حضرنا القتال سنعمل أشياء.

ومعنى قوله تعالى: {لا يُوَلُّونَ الأَدْبَارَ} [الأحزاب:١٥] أي: نحن ما نفر أبداً وعهد علينا ذلك.

ومعنى قوله تعالى: {وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا} [الأحزاب:١٥] أي: الأمر ليس لعبة أنك تقول: يا رب عهد عليَّ أن أفعل كذا، أو تقول: لله عليَّ نذر أن أفعل كذا وكذا، وبعد ذلك تظن أنه كلام قد انتهى، فأنت تخاطب الله سبحانه تبارك وتعالى، فإنه سيسألك عن هذا العهد: لم قلته؟ وهل نفذته أم لا؟ وإذا نفذته هل أخلصت أم لا؟ وأسئلة كثيرة في هذا الشيء الذي يفعله الإنسان ويقوله.

وكثير من الناس يقولون: يا رب عهد عليَّ ألا أعمل هذه المعصية، أو أن أفعل كذا، فيسأل العبد يوم القيامة: لم عاهدت؟ وهل فعلاً فعلت هذا الذي قلت أو لم تفعل؟ وإذا فعلت فهل نفذت أم لا؟ وإذا فعلت أو نفذت فهل كنت مخلصاً لله سبحانه، أم كنت تفعل رياءً أمام الناس؟ أسئلة كثيرة عند الله عز وجل يوم القيامة، قال تعالى: {وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا} [الأحزاب:١٥] أي: يسأل الله سبحانه تبارك وتعالى صاحب العهد عن عهده.

وقوله تعالى: {وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الأَدْبَارَ} [الأحزاب:١٥] أي: لا يهربون مولين الناس دبرهم، أو معطين ظهورهم لأعدائهم فيهربون من أمامهم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>