للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تفسير قوله تعالى: (ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون)]

قال الله تعالى: {وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ} [الصافات:٧٥] فالله سبحانه وتعالى نعم المجيب ناداه لوط، وناداه نوح، وناداه غيره فنعم المجيب، ومن يجيب إن لم يجب الله سبحانه وتعالى؟ والنداء هنا يتضمن معنى الاستغاثة والدعاء، ومعنى نادانا: استجار بنا واعتصم بنا، فاستغاث نوح بربه سبحانه، ودعا قومه إلى عبادة الله فترة طويلة جداً لم يدع مثلها إلى الله عز وجل نبي من الأنبياء، ولا رسول من الرسل عليهم الصلاة والسلام، فقد دعا قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً حتى مل منهم وظن أنه لن يؤمن من قومه أحد، فأخبره الله أن هذا ظن حقيقي ولن يؤمن من قومه إلا من قد آمن، وما آمن معه إلا قليل، وذكروا أن عدد هؤلاء الذين آمنوا مع نوح عليه الصلاة والسلام وركبوا معه السفينة ثمانون مؤمناً بعد دعوة إلى الله سبحانه وتعالى ليل نهار، قال تعالى: {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا * ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا * ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا} [نوح:٥ - ٩] كل هذا وهو يدعو إلى ربه سبحانه وتعالى ليل نهار في زمن طويل بلغ تسعمائة وخمسين عاماً، فلم يستجب له وما آمن معه إلا قليل، فكان عدد من ركب معه هذه السفينة هم من أهله وكان منهم هذه الذرية العظيمة من خلق الله سبحانه من بعد نوح، فكان من شيعته إبراهيم وكل الأنبياء والرسل من بعده عليهم الصلاة والسلام.

قوله تعالى: {وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ} [الصافات:٧٥] أي: استغاث بنا، وجأر إلينا وطلب نصرنا، قال تعالى: {فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ} [الصافات:٧٥] سبحان الله وتعالى، فيبين لنبيه صلى الله عليه وسلم أننا لم نعجل بعقوبة هؤلاء الأقوام ليس لكوننا لا نستجيب لك، ولا لغيرك من المؤمنين، ولكن لحكمة من الله، فنحن نعم المجيبون، ونعم المجيب الله سبحانه، فهو يستحيي إذا رفع العبد يديه إليه أن يردهما صفراً، ولكن الإجابة من الله بحكمة، ولها وقت فالله عليم حكيم، وهو أعلم بما يستحق العباد، ولعلك تدعو على إنسان والله يعلم أنه سيهتدي بعد ذلك، فلا يستجيب لك في ذلك، ولعلك تدعو لإنسان بالهداية، والله يعلم أنه سيموت ضالاً كافراً، فالله أعلم بخلقه، قال تعالى: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:١٤].

<<  <  ج:
ص:  >  >>