الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
ما زلنا في سورة المؤمنون التي قدمنا شيئاً من تفسير أول آياتها قبل ذلك، وقد بدأها ربنا سبحانه وتعالى بقوله:{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ}[المؤمنون:١] ذكر النهاية والنتيجة التي يسعى إليه كل إنسان مؤمن وهي أن يكون من المفلحين، فبدأ بالأهم الذي يرجوه كل إنسان، والذي خلق الله عز وجل الخلق من أجله وهو أن يفلحوا بطاعتهم وبعبادتهم لله سبحانه.
قال الله تعالى:{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} ومن صفات هؤلاء المؤمنين ما ذكر الله عز وجل هنا: {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ}[المؤمنون:٢ - ٩]، هؤلاء هم المؤمنون الذين حكم الله عز وجل لهم بالفلاح، ثم ذكر أن فلاحهم أنهم ينجحون عند الله عز وجل ويفوزون الفوز العظيم الذي لا خسران بعده أبداً فقال:{أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}[المؤمنون:١٠ - ١١] والفردوس: هي أعلى الجنة وأوسط الجنة وفوقها عرش الرحمن سبحانه وتعالى، فهؤلاء الذين اجتمعت فيهم هذه الصفات هم أهل الفردوس الأعلى، وهم في عليين، وهم المقربون من رب العالمين، نسأل الله عز وجل أن يجعلنا منهم.
تفضل الله عز وجل على المؤمنين بأن جعلهم يرثون الفردوس، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم المؤمنين إذا دعوا ربهم وسألوه أن يسألوه الفردوس الأعلى من الجنة فقال:(إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس الأعلى من الجنة؛ فإنه أعلى الجنة وأوسطها، وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة)، فالإنسان المؤمن إذا سأل الله فليسأله أهم الأشياء وأعظم الأشياء، ويكون هذا هو شاغل الإنسان المؤمن عن الدنيا وعن فتنها وعن مصائبها، أنه يرجو في النهاية الفلاح والفوز العظيم، ويخاف من الخسران ويخاف من النار، فيسأل ربه سبحانه وتعالى ليل نهار أن يكون مع (النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا) في الفردوس الأعلى.
وقد جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(إن الله تعالى جعل لكل إنسان مسكناً في الجنة ومسكناً في النار) فأما المؤمنون فيأخذون منازلهم ويرثون منازل الكفار، ويرجع الكفار في منازلهم في النار، والإنسان المؤمن يريه الله عز وجل منزلاً في النار، ويقول له: هذا منزلك لو عصيت الله، والإنسان المؤمن يفرح بأنه أطاع الله وأنه لم يدخل هذا المنزل، والإنسان الكافر يدخل في هذا المنزل والعياذ بالله، والإنسان المؤمن يريه الله عز وجل منزله في الجنة ويقول له: هذا منزلك في الجنة وقد ورثناك منازل هؤلاء، لو أطاعوني لدخلوا هنا، ولكنهم لم يطيعوني وعصوني فدخلوا النار، وأنتم ورثتم هذه الجنة وأخذتموها بفضل الله وبرحمته سبحانه.
وما منكم من أحد إلا وله منزل في الجنة وله منزل في النار، والله عز وجل يتفضل على المؤمنين بأن يدخلهم الجنة ويورثهم جنات النعيم.