يقول الله تعالى:{الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ}[غافر:١٧].
قوله:(اليوم) أي: يوم القيامة، (الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ) ففي يوم القيامة يحاسب الله كل إنسان بمفرده، فلا يظن الإنسان أنه بإمكانه أن يختفي في ذلك اليوم.
وقوله تعالى:(الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ) فيه أن الجزاء على كسب العباد، والله خالق العباد، وخالق أفعالهم، والعبد يكتسب فعله، وحين يفعل الفعل يشعر أنه قادر على فعله وقادر على تركه، فإن أراد أن يفعله فعله، والله عز وجل يجازيه على إرادته، وإن كنا نؤمن أن كل شيء بقضاء الله وقدره ومشيئته، ولكنه سوف يجازي العبد على ما فعله ورضي فعله، فإن عصى الله جازاه على معصيته، ولا يمكن أن يقول: يا رب! أنت قدرت علي هذا الشيء؛ لأنه وهو يكسب المعصية يرى نفسه قادراً على فعلها، وقادراً على تركها، فيكون فعله هذا اختياراً منه.
فلا ينبغي للإنسان أن يتعلل بالقدر، فالله عز وجل أمره بالإيمان بالقضاء والقدر، لا أن يتعلل به.
إذاً: فالإنسان حين يرتكب المعصية أو يفعل الخير يعلم أن الله قد قدر كل شيء، وعلم كل شيء سبحانه، ولكن كسبه هذا كان اختياراً منه، فالله عز وجل يشكر له الخير، ويجازيه على الشر، أو يعفو سبحانه، فإذا حاسب الله العباد فلا يقدر أحد أن ينكر ويقول: يا رب! لقد كان ذلك قضاء وقدراً؛ لأنه كان قادراً على الفعل وعلى الترك، ولم يكن مجبراً.
وقوله تعالى:(لا ظُلْمَ الْيَوْمَ) أي: لا يظلم ربك أحداً، ولا ينسى شيئاً، بل يجزي كل إنسان على مثقال الذرة، كما قال تعالى:{فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه}[الزلزلة:٧ - ٨].
قال الله تعالى:(إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) فالله سبحانه سيحاسب الخلق يوم القيامة، وهو يوم طويل من أيام الآخرة كما قال تعالى:{فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ}[المعارج:٤]، وهذا اليوم يطيله الله عز وجل على من يشاء، ويخففه على من يشاء، نسأل الله التخفيف والعفو والعافية في يوم عظيم يقضي فيه الله بين جميع العباد.
وقوله:(إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) أي: سريع المحاسبة، ليس كمحاكم الدنيا التي تؤجل فيها بعض القضايا لسنة أو سنتين، فيوم القيامة يوم واحد، يجزي الله فيه كل إنسان بمفرده على ما صنع، فلا يخفى عليه من عباده شيء، لا يشغله القضاء بين عبد وآخر عن القضاء بين ثالث ورابع، وإنما يقضي بين الجميع كما يشاء، لا يشغله شيء عن شيء سبحانه وتعالى (إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ).