تقادمت السنون والدهور، وجاء بعد آدم عشرة قرون كانوا على التوحيد، حتى تحول الناس من توحيدهم لله عز وجل إلى عبادة الأصنام، وعبدوها من دون الله سبحانه، فأرسل الله إليهم نوحاً عليه السلام، وكان سبب شركهم ذلك: التصاوير والتماثيل والأصنام، فقال بعضهم لبعض:{لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا}[نوح:٢٣]، فكان سبب ضلال هؤلاء: هذه الآلهة التي عبدوها من دون الله سبحانه، وسبب وجود هذه الآلهة: أن الناس كان فيهم أناس صالحون يعبدون الله سبحانه، فأحبهم الناس، فلما مات هؤلاء الصالحون أتاهم إبليس ووجدهم في حزن على الذين ماتوا، وهم: ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر، فقال لهم: اصنعوا لهم الصور حتى تذكروهم، فصوروا لهم الصور حتى تكون تذكاراً يتذكرون بها هؤلاء الأقوام الصالحين.
فلم يزالوا على ذلك حتى أتاهم الشيطان وقال لهم: اصنعوا لهم التماثيل حتى تذكروهم بها، فصنعوا التماثيل على قبورهم، وكانوا يذهبون وينظرون إليهم ليتعظوا، وليتذكروا هؤلاء الصالحين فيتأسوا بهم في صلاحهم، فلما مات من عرف ذلك من الآباء إذا بأولادهم وأحفادهم من بعدهم يقولون: كان آباؤنا يذهبون ويتبركون بهؤلاء ويعبدونهم، فبدل من أن الآباء كانوا يتعظون بهم ويتذكرون أعمالهم الصالحة ليعبدوا الله كما كانوا يعبدونه، انقلب الأمر عند الأبناء والأحفاد فعبدوهم من دون الله، وتواصى بعضهم مع بعض بعبادة هذه الآلهة.
فكان ذلك أول شرك على الأرض، وأول ما حدث الكفر والشرك بالله كان بعبادة هذه التماثيل، فأرسل الله عز وجل نوحاً على نبينا وعليه الصلاة والسلام إلى هؤلاء القوم يدعوهم إلى عبادة الله سبحانه وتعالى، قال الله عز وجل:{لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}[الأعراف:٥٩].