[تفسير قوله تعالى:(فكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة)]
قال الله تعالى:{فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ}[الحج:٤٥] أي: كم من قرية، وهذه فيها قراءتان: قراءة ابن كثير: (فكائن من قرية)، ومثله أبو جعفر ولكن سهل مع المد والقصر، يقول:(فكائن من قرية)، أي: كم قرى كثيرة! {أَهْلَكْنَاهَا}[الحج:٤٥]، بنون العظمة وهي قراءة الجمهور، وقراءة البصريين: أبي عمرو ويعقوب: ((أهلكتُها)) أي: أن الذي تولى إهلاكها الله سبحانه، فإذا به يرسل عليهم ملائكته، ويرسل عليهم العذاب.
قال سبحانه:{وَهِيَ ظَالِمَةٌ}[الحج:٤٥] أي: فبسبب أنهم ظلموا أنفسهم وظلموا غيرهم أهلكهم الله سبحانه.
قال:{فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا}[الحج:٤٥]، الخواء بمعنى الخلاء، أي: أنها خالية، والخواء يأتي بمعنى السقوط أيضاً، فهي خاوية ليس فيها أحد، وهي ساقطة جدرانها على سقفها، أي: أن عروشها ساقطة على سقوفها.
وكلمة العروش والعُرش والعَريش بمعنى البناء الذي يكون من خشب أو من غيره، وقد يطلق على الخيمة، أو على الأعمدة التي فوقها سقف، وأحياناً يطلق على العروش البيوت، فقوله هنا:{فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا}[الحج:٤٥] أي: تكون بمعنى السقوف وبمعنى البيوت، يعني قد تهدمت أو صارت كما هي، وأهلكنا أهلها، فصارت خالية.
قوله تعالى:{وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ}[الحج:٤٥]، فكأنه يقول: إن الهلاك يأتي على المستكبرين أينما كانوا، سواء كانوا في الحضر أصحاب بيوت فسيأتي إليهم العذاب، أو كانوا في البراري أصحاب آبار فسيأتيهم العذاب.
فالله عز وجل انتقم منهم؛ بسبب كفرهم وظلمهم، فماتوا وبقيت الآبار على ما هي معطلة لا أحد ينتفع بها، والآبار في الصحراء كنز عظيم جداً، فإن الذي يكون له بئر في الصحراء فإنه ملك في الصحراء، فعندما يوجد البئر يوجد حوله أهله، ويجتمع الناس إليهم.
وإذا بهم يكفرون بنعم الله سبحانه، ويكذبون رسل الله عليهم الصلاة والسلام، فيأتيهم العذاب، فيهلكهم الله، وتظل البئر وحدها، عليها بكرتها وحبالها، ولا يوجد أحد يسقي منها، أهلكهم الله، فقال سبحانه:{فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ}[الحج:٤٥] أي: لا تستخدم.
قال تعالى:{وَقَصْرٍ مَشِيدٍ}[الحج:٤٥] القصر المشيد: هو مبنى عظيم، أو: مشيد من الشيد، بمعنى الدهان، يعني: مدهون، فجملة أصحاب القصر أهلكهم الله، وبقي القصر على ما هو عبرة للخلق! {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ}[الحشر:٢].