للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

تفسير قوله تعالى: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً)

قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم:٢١].

من آيات الله سبحانه تبارك وتعالى العظيمة، أن خلق للإنسان من نفسه زوجة، فقد كان أول من خلق الله عز وجل من الناس آدم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، وجعل له من نفسه أي: من داخله ومن ضلعه حواء؛ ليأنس بها آدم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، فلم يجعل لآدم زوجة من غيره مثلاً، كأن تكون من جنس من أجناس الحيوان أو من الجان أو من غير ذلك من المخلوقات، ولكن جعل له زوجة من نفسه ليألفها وتألفه، فهي مخلوقة من آدم على نبينا وعليه الصلاة والسلام، ولذلك لما كان آدم في الجنة وأراد الله سبحانه تبارك وتعالى أن يخلق له زوجة، كأنه أنامه فلم يشعر آدم إلا وبجواره إنسان، فسئل: من هذه؟! فقيل له: هذه حواء، فأنس بها وأنس لها عليه الصلاة والسلام، وكان من بديع خلق الله سبحانه تبارك وتعالى أن جعل الرجل يسكن إلى الأنثى، وجعل الأنثى كذلك تسكن إلى الرجل، بل جعل الله سبحانه تبارك وتعالى الذكر لباساً للأنثى، كما جعل الأنثى لباساً للرجل فقال سبحانه: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [البقرة:١٨٧] أي: كل منهما ستر للآخر وغطاء له، فيركن الرجل إلى امرأته، ويسكن إليها، ويألفها، ويحبها، ويكون بينه وبينها المودة والرحمة، وكذلك المرأة، فكان من آيات رب العالمين سبحانه تبارك وتعالى، أن جعلها زوجة له بشرعه سبحانه تبارك وتعالى، فإنها إذا لم تكن زوجة له لا يأنس إليها، بل يكون بينهما نفور؛ لأنهما اجتمعا على معصية الله سبحانه تبارك وتعالى، فالنكاح شريعة من رب العالمين سبحانه، حيث جعل للعبد أن يتزوج مثنى وثلاث ورباع، كما جعل له أن يأنس بهذه الزوجة التي خلقها الله عز وجل له.

والإنسان في طاعة الله يجد الدعة والراحة والطمأنينة كما يجد فيها الأمن والأمان، أما في معصية الله سبحانه يجد النفور، ويجد القلق والاضطراب وعدم السكن، إذ لا يمكن أن تكون المرأة الخدينة للرجل سكناً له، إنما يأتي السكن بشرع رب العالمين سبحانه.

وذكر الخلق ثم الزواج في قوله تعالى: {أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} [الروم:٢١] يشعر أن الله خلق المرأة ثم شرع لكم أن تتزوجوا النساء، ولم يجعل الزواج بين الجنس ومثله، كأن يكون بين الذكر والذكر، أو بين الأنثى والأنثى؛ ولكن جعل الله عز وجل السكن للإنسان الذكر مع الأنثى بالعقد الشرعي الذي شرعه الله سبحانه، وهو النكاح الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم، وأخبرنا عنه في وصيته بالنساء فقال: (فإنكم أخذتموهن بكلمة الله واستحللتم فروجهن بأمانة الله).

<<  <  ج:
ص:  >  >>