تفسير قوله تعالى: (وجعلوا له من عباده جزءاً)
ثم قال الله سبحانه: {وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الإِنسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ} [الزخرف:١٥] جعل: لها معاني كثيرة في اللغة: منهم من ذكر عشرة معاني.
ومنهم من جعلها ثمانية عشر معنى.
فمن تلك المعاني: خلق، وصير، وحول، وسمى ووصف، وهذا معناها في هذه الآية.
فيكون معنى: (وجعلوا له) سموا لله تعالى من عباده جزءاً، فقالوا: الملائكة بنات الله.
قال تعالى: {وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا} [الزخرف:١٥] ويعنون بـ (جزءاً) أن الإنسان حين يملك الولد أو البنت يقول: هذا جزئي، هذا بعضي؛ لأنه من مني الرجل ومن بويضة المرأة.
فالابن جزء من أبيه وأمه وكسب لهما كذلك.
ولكي يبقى جنس الإنسان في هذه الدنيا جعل الله عز وجل له التناسل؛ لأن الإنسان ضعيف، ويأتي عليه الموت.
لكن الله القوي العظيم العزيز الدائم الحي القيوم سبحانه لا يحتاج إلى ذلك.
فإذا بالمشركين يدعون أن لله جزءاً أي: ولداً فيفترون عليه الكذب.
ومع ذلك ينسبون إليه ما تأنف مثله أنفسهم، وهن البنات.
فقال سبحانه وتعالى يكذبهم: {أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ} [الزخرف:١٩] لما قالوا: الملائكة بنات الله، كيف عرفوا ذلك؟ ولماذا اختاروا لهم صفة الأنوثة دون صفة الذكورة؟! ولماذا زعموا أن البنات لله عز وجل واختاروا لأنفسهم البنين؟! قال تعالى: {إِنَّ الإِنسَانَ لَكَفُورٌ} [الزخرف:١٥] أي: عظيم الكفر والجحود، وكأن ذلك طبع جنس الإنسان إلا من رحم الله، ففي طبيعة كل إنسان شيء من الكفر، والكفر قد يكون كفر النعمة بأن ينسى المنعم العظيم سبحانه وتعالى، وينسب الفضل إلى غير الله.
وقد قال الله تعالى: {إِنَّ الإِنسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ} [الزخرف:١٥].
وقال: {إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم:٣٤] فكل إنسان فيه شيء من كفر النعمة وجحودها، فإذا زاد وصل إلى الكفر بالله عز وجل.