[تفسير قوله تعالى:(وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه)]
قال الله تعالى:{وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ}[فصلت:٥].
يعني: لا تحاول، فنحن نأتي ونسمع الكلام فقط، لكن هذا الكلام لن يدخل آذاننا، ولن يصل لقلوبنا.
والأكنة: هي الأغطية الثقيلة، كأنهم جعلوا على قلوبهم أغطية ثقيلة، حتى لا يسمعوا كلام الله تعالى.
وكانوا إذا جاءهم الرجل من خارج القبيلة يقولون له: احذر أن يسحرك محمد، احذر أن تسمع إليه وأن تذهب إليه، فهذا الرجل يخاف، فتجده حين يرى النبي صلى الله عليه وسلم يغطي وجهه بثوبه؛ حتى لا يكلمه النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا شاء الله عز وجل أن هذا الإنسان يؤمن يذهب إليه ويقول للنبي صلى الله عليه وسلم: لقد أتيتك وقد حلفت عدد هؤلاء ألا آتيك، يعني: عدد أصابعي العشر، ولكن يشاء الله أن يدخل الإيمان في قلب هذا الرجل، فيذهب ويسمع من النبي صلى الله عليه وسلم ويؤمن بعد ذلك، فكان الكفار لا يريدون أن يدخلوا في دين النبي صلى الله عليه وسلم، ويحذرون الناس أن يدخلوا في دينه، فكان هذا قولهم.
قوله:{وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ}[فصلت:٥] يعني: قلوبنا بداخلها أغطية فلن نستمع إليك، {وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ}[فصلت:٥] أي: في آذاننا صمم وثقل فهي لا تسمع ما الذي تقوله، {وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ}[فصلت:٥] أي: بيننا وبينك حجاب ومانع عظيم يمنعننا من أن ندخل في دينك، فالكبر والحقد والحسد جعل ذلك كله بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم مانعاً أن يتبعوه عليه الصلاة والسلام.
قوله:{فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ}[فصلت:٥] أي: فاعمل بما يأمرك به ربك، إننا عاملون بما تأمرنا به أهواؤنا، فأنت اعبد ربك ونحن نعبد آلهتنا من دون الله، يعني: اعمل وكد لنا فإننا عاملون ونكيد لك، وهذا منهم منتهى الشر ومنتهى التبجح على النبي صلى الله عليه وسلم، أي: أنت الذي تريده اعمله، وسنعمل الذي نحن نريده، لن نؤمن ولن نستمع إلى ما تقول، وإذا سمعنا لن نفهم ما هذا الذي تقوله، فكانوا يطلبون من النبي صلى الله عليه وسلم المعجزات والآيات، ومع ذلك يقولون له: وما نظن أنك لو فعلت سنؤمن، يعني: حتى لو أتيت بهذه المعجزات فإننا لا نؤمن، نقول: طالما أنكم تنوون من البداية عدم الإيمان فلماذا تطلبون المعجزات؟! هذا هو حال المشركين فقد فضحهم الله عز وجل ووبخهم بذلك، وأخبر أنهم قوم خصمون، لا يجيدون إلا الجدل بالباطل، أما أنهم يجادلون من أجل أن يصلوا إلى الحق فلا، ليست هذه عادتهم.