[جواز النظر إلى المخطوبة وبيان ضابطه وشروطه]
وفي قوله سبحانه: {وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ} [الأحزاب:٥٢]، فيه إشارة إلى نظر الإنسان إلى المرأة التي يريد أن يتزوجها فإن أعجبه حسنها ودلها وسمتها فليتزوجها، وقد تعجب المرأة الإنسان ولا تعجب غيره، فالجمال شيء نسبي، ولكل إنسان اختيار معين، فقد يرضيك ما لا يرضي غيرك، ويرضي غيرك ما لا يرضيك.
فالله عز وجل يقول للنبي صلى الله عليه وسلم: {وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ} [الأحزاب:٥٢]، وقد جاء في سنة النبي صلى الله عليه وسلم بيان ذلك، وأن للرجل إذا أراد أن يتزوج امرأة أن ينظر إليها، وإلا فالأصل: أن الإنسان يغض بصره، فلا يجوز للرجل أن ينظر إلى المرأة، ولا يجوز للمرأة أن تنظر إلى الرجل إلا للضرورة والحاجة.
جاء في سنن الترمذي من حديث المغيرة بن شعبة: أنه أراد أن يتزوج امرأة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (انظر إليها فإنه أجدر أن يؤدم بينكما).
وهذا من محاسن الشريعة العظيمة، فلا يجوز أن يضيق على الإنسان الذي يريد أن يتزوج امرأة بألا ينظر إليها أصلاً، وإنما يبعث أحداً ليراها بدلاً عنه، ولربما بعث امرأة لتنظر إلى زوجته فلما رجعت وصفتها له على حسب ما رأتها، فيكتشف عند الدخول بها أنها على خلاف ما وصفت، وقد ذكرنا بأن الجمال نسبي متفاوت؛ فلذلك أمره النبي صلى الله عليه وسلم هنا أن ينظر إليها، وذلك لأجل أن تدوم الحياة الزوجية بين الرجل والمرأة، فلا تحصل نفرة لأنه لم يرها إلا يوم الفرح.
وبعض الناس عندهم من التقاليد أن الرجل لا يرى المرأة إلا يوم الدخلة كما هو في الصعيد وغيره، وهذا خطأ، فالنبي صلى الله عليه وسلم أمر المغيرة أن ينظر إليها قبل ذلك إذا أراد أن يخطبها.
وجاء في حديث آخر: أن رجلاً أراد أن يتزوج امرأة من الأنصار، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (انظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئاً)، فالمهاجري هذا أراد أن يتزوج امرأة من الأنصار وهو لا يعرف هذه المرأة ولم يرها، فالنبي صلى الله عليه وسلم بين له أن في أعين الأنصار شيئاً، ولعل هذا الشيء صغر أو نحوه، ولم يكن المهاجرون متعودين على ذلك في مكة.
قال له: (انظر إليها قبل أن تتزوجها فإن في أعين الأنصار شيئاً)، وهذا الأمر ليس على الوجوب، وليس معناه أن الإنسان يأثم إذا لم ينظر إلى المرأة، ولكن هذا الأمر إرشاد من النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه جعله سبباً في دوام الحياة، وحتى تكون في وفاق مع هذه المرأة التي تريد أن تتزوجها.
روى الإمام أبو داود من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر منها ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل)، أي: فإن استطاع أن يذهب إلى بيتها ليراها وهي مع أبيها أو أخيها مثلاً فليفعل؛ لأن الخطبة مشروعة في الإسلام، مع أن الخطبة ليست عقداً وليست زواجاً، ولكنها مقدمة حتى ينظر الرجل وتنظر المرأة، فيذهب إليها وهي مع محارمها فينظر إليها.
وجاء عن محمد بن مسلمة في سنن الإمام ابن ماجه ومسند الإمام أحمد أنه قال: خطبت امرأة فجعلت أتحيل لها حتى نظرت إليها، يعني: رأى الوقت المناسب الذي يمكنه فيه أن ينظر إليها ولم يشأ أن يحرجها، فكانت هي تذهب إلى حقلها وهو يختبئ لها، فنظر إليها فرأى وجهها فتقدم لها وتزوجها، فرآه بعضهم فقال له: أتفعل ذلك وأنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال لهم محمد بن مسلمة رضي الله عنه: نعم، إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا ألقى الله في قلب أحدكم خطبة امرأة فلا بأس أن ينظر إليها).
بقيت هنا مسألة: وهي متى ينظر إليها؟ فلا يختبئ للنساء لينظر إليهن وهو لا يريد الخطبة أو الزواج فهذا لا يحل له، بل إذا أراد خطبتها فليذهب إليها عند أهلها وينظر إليها، ولو فرضنا أنه لم يتيسر له ذلك وتيسر في مكان آخر فله أن ينظر إليها، لكنه لا يحل له أن ينظر إليها وهي عارية مثلاً، ولكن ينظر إلى الوجه وإلى الكفين فقط، فهذه هي الأشياء التي أباحت الشريعة للإنسان أن ينظر إليها في المرأة.