قال الله:{وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ}[النور:٣٤]، لقد تفضل الله عز وجل على عباده بأن أنزل عليهم هذا القرآن الذي يتلى ويعمل بما فيه ويثاب الإنسان عليه.
{وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ}[النور:٣٤] عظيمات {مُبَيِّنَاتٍ}[النور:٣٤]، فيها قراءتان:(آيات مُبْيَّنات) و (آيات مُبِّيَنَات)، فقرأها ابن عامر وحفص عن عاصم وحمزة والكسائي وخلف: بالكسر، وقرأها نافع وأبو جعفر وابن كثير وأبو عمرو ويعقوب وشعبة عن عاصم: بالفتح على اسم المفعول.
فهي مبِّينة على اسم الفاعل بمعنى آية موضِّحة، فهي توضح لك ما تحتاج إليه، فهي في ذاتها ظاهرة وواضحة، وليست محتاجة إلى تعب وعناء في فهمها، فهذا القرآن العظيم كل إنسان يعرف العربية ويسمعه فإنه يفهم ما يقوله الله سبحانه وتعالى، فهو بيِّن في نفسه، وهو مبَّين للأحكام التي يريد الله عز وجل منك أن تعمل بها، وهي مُبَّيَنَة، فإذا جاءت في موضع مجملة وضحت في موضع آخر، وإذا أشكلت في موضع وضحت وفسرت في موضع آخر، وكذلك يبينها النبي صلى الله عليه وسلم بسنته صلوات الله وسلامه عليه.
وقوله:{وَمَثَلًا}[النور:٣٤] يعني: هذا القرآن الذي نزل من عند رب العالمين فيه الآيات البينات، وفيه الأمثال، فالله يضرب لكم فيه الأمثال كما قال:{إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا}[البقرة:٢٦]، فيضرب المثل بالبعوض، وضرب المثل بالذبابة، ويضرب المثل بالأحياء والأموات، ويضرب المثل بالجماد، وبالحيوان، وبالطيور؛ لنفهم عنه سبحانه وتعالى.
قوله:{وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ}[النور:٣٤] أي: الأمثال من الأمم السابقة كيف فعلوا، وكيف فعل بهم.
{وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ}[النور:٣٤] أي: وفيه موعظة، والذي يفهم هذه الموعظة ويعمل بها هو التقي، وأما غير التقي فلا يفهم ولا يعتبر، فيكون هو عبرة لغيره، فالسعيد من وعظ بغيره، والشقي من شقي في بطن أمه، فالقرآن فيه آيات بينات، وأمثال من خلوا من قبلنا؛ لنتعظ ونعمل.
نسأل الله عز وجل أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيعملون بأحسنه وينتفعون به.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.