للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تفسير قوله تعالى: (يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب)]

من ذلك ما يذكر الله عز وجل هنا حيث قال: {يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [الزخرف:٧١]، (يطاف عليهم) وفي سورة (يطوف عليهم) من الذين يطوفون عليهم؟ قال: {وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ} [الواقعة:١٧]، أي: غلمان مخلدون.

ويخلق الله عز وجل أطفالاً لأهل الجنة خدماً يطوفون عليهم، قال: {يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ} [الزخرف:٧١]، وكذلك الملائكة تأتيهم بأنواع من الأطعمة والأشربة، (فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر)، قال تعالى: {كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:٢٥]، تأتيهم الملائكة بثمار الجنة، فيقول أهل الجنة! هذا الذي أكلناه من قبل، فيقولون: لا، هذا شيء جديد، هذا شيء آخر، فهو ((مشتبهاً وغير متشابه)) يشبه بعضه بعضاً في الجمال والكمال والحسن، وقد يشبهه في اللون ولكن الطعوم مختلفة، فأهل الجنة يأتيهم الملك أو الملائكة أو الغلمان بهذا الطعام فيقولون: هذا أكلنا مثله من قبل، فيقولون لهم: الذي أكلتموه من قبل، شيء آخر فيأكلون ويجعل الله عز وجل لهم مقدرة على أن يأكلوا من كل ما يشتهون.

والإنسان في الدنيا إذا وضع له طعام مهما كان الطعام فاخراً فإنه يأكل منه ما يكفيه، وقد يملأ معدته بما يتخمه ولكن لا يقدر على أكثر من ذلك، فإذا أوتي بشيء أفضل منه لا يقدر على أن يأكل منه لأنه امتلأت معدته.

أما أهل الجنة فإن الله عز وجل يجعلهم يأكلون مما يشاءون، ومما تشتهيه أنفسهم ولا يتخمون أبداً، وإنما يخرج منهم هذا الذي دخل فيهم عرقاً على هيئة رائحة طيبة أفضل وأحسن من المسك.

قال تعالى: {يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ} [الزخرف:٧١]، وذكرنا أن الصحاف: جمع صحف، والصحفة: الطبق الكبير الواسع الذي يكفي العدد من الناس، وقد يكفي عشرة فما فوقهم وما دونهم أيضاً، قال تعالى: {يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ} [الزخرف:٧١] والأكواب: الكيزان التي قدرت تقديراً، {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [الزخرف:٧١]، أهل الجنة يخلدون في الجنة، والإنسان حين يرى شيئاً جميلاً طيباً يحب أن يطيل المكث فيه خوفاً من أن يضيع منه، ولكن أهل الجنة يقال لهم: هذا الشيء لن يضيع منكم ولن تخرجوا منه، فتنعموا في الجنة بما شئتم من طعام وشراب ولهو وذكر لله سبحانه تبارك وتعالى.

<<  <  ج:
ص:  >  >>