[تفسير قوله تعالى:(وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن)]
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الله عز وجل في سورة الفرقان:{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا * تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا * وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا}[الفرقان:٦٠ - ٦٢].
في هذه الآيات من سورة الفرقان يخبرنا ربنا سبحانه وتعالى عن كفر المشركين وتعنتهم مع النبي صلوات الله وسلامه عليه، وقد علموا أنه رسول رب العالمين صلوات الله وسلامه عليه، ولكن دفعتهم العصبية والجاهلية إلى أن يعاندوا النبي صلى الله عليه وسلم ولا يستجيبوا له، يقول الله عز وجل عن هؤلاء أنهم إذا قيل لهم: اسجدوا للرحمن، اسجدوا لله سبحانه، والرحمن: اسم من أسمائه سبحانه وتعالى، أي: ذو الرحمة العظيمة الواسعة سبحانه وتعالى، والرحمن والرحيم صفتان على وزن المبالغة، فالرحمن على وزن فعلان، والرحيم على وزن فعيل، فالرحمن ذو الرحمة بجميع خلقه المؤمنين والكافرين، فرحمة الله عز وجل عظيمة واسعة، فمن رحمته أن أنزل الكتب لهداية الخلق جميعهم، وأرسل الرسل لهداية الناس إلى دين رب العالمين، فهو الرحمن سبحانه، ورحمته واسعة عظيمة، يرزق المؤمن ويرزق الكافر، يعطي هذا ويعطي ذاك سبحانه وتعالى، والرحيم ذو الرحمة العظيمة المختصة بالمؤمنين، ولذلك يقول:{وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا}[الأحزاب:٤٣]، فهو رحمن رحيم.
فإذا قيل لهؤلاء الكافرين:{اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ}[الفرقان:٦٠]، يعني: أي شيء هذا؟ {وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا}[الفرقان:٦٠]، يعني: هل نعمل بما تأمرنا به؟ ويتعنتون معه صلوات الله وسلامه عليه، ويتهمونه بأنه ينهاهم عن الشرك وأنه يقع فيه بحجج غبية تليق بأمثال هؤلاء الذين وصفهم الله بقوله:{إِنْ هُمْ إِلَّا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا}[الفرقان:٤٤]، فيقولون: يأمرنا بالتوحيد وينهانا أن نشرك وهو يقول: الله الرحمن، فهو يشرك وينهانا عن الشرك! وحاشا له صلوات الله وسلامه عليه أن يقع في الشرك، ولكن غباء المشركين يدفعهم لهذا القول، مع أن الرجل منهم له اسم، وله كنية، وله لقب، ولم يقولوا: إنه ثلاثة بل هو واحد عندهم، فما الذي جعل ذلك واحداً عندهم وفهموا أن النبي صلى الله عليه وسلم بزعمهم يشرك بالله سبحانه؟! فالله سبحانه الواحد، وهذه أسماؤه وصفاته سبحانه وتعالى لا شريك له.
فإذا قيل لهؤلاء الكفرة:{اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ}[الفرقان:٦٠]، أبوا ورفضوا وعاندوا وقالوا:{وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا}[الفرقان:٦٠]، يخاطبونه صلى الله عليه وسلم، وهذه قراءة الجمهور، وقراءة حمزة والكسائي:(أنسجد لما يأمرنا) بالغيب، وكأنهم يخاطبون بعضهم بعضاً: هل ننفذ ما يأمرنا به هذا الرجل ونسجد لما يأمرنا؟ ثم يكذبون ويقولون: إنه يعلمه رجل في اليمامة اسمه الرحمن! فيكذبون على النبي صلى الله عليه وسلم ويكذبون على الله سبحانه، قال الله سبحانه:{فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ}[الأنعام:٣٣] يعني: لا يعتقدون أنك كذاب في أنفسهم، وهم الذين لقبوه بالصادق الأمين صلوات الله وسلامه عليه، ولكنهم يجحدون بآيات الله، والجحد أن يجحد الإنسان الشيء وينكره وهو يعلم وجوده، فهذا جاحد، وهو أشد من الكاذب.
يقول الله سبحانه:{وَزَادَهُمْ نُفُورًا}[الفرقان:٦٠]، يعني: زادهم أمر النبي صلى الله عليه وسلم لهم بأن يسجدوا لله سبحانه، وأن يطيعوا، وأن يخضعوا، وأن يصلوا لله ويسجدوا؛ زادهم هذا الأمر نفوراً وابتعاداً عن طاعة الله سبحانه وتعالى، وبعداً عن الدين.