للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[بيان اتحاد رسالة الرسل في التوحيد واختلافها في الأحكام]

والدين المذكور في هذه الآية هو توحيد الله سبحانه وتعالى، وعبادة الله سبحانه وتعالى، فالتوحيد هو أصل الدين، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ} [الذاريات:٥٦ - ٥٧].

إذاً: فقد أرسل الله كل الأنبياء والرسل بدعوة واحدة، وهي: أن يدعوا إلى دين الله سبحانه، وإلى التوحيد، وقد كانت دعوة الرسل لقومهم: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [المؤمنون:٢٣]، قال تعالى عن نوح: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [المؤمنون:٢٣]، وقال عن هود: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف:٦٥]، وقال عن صالح: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف:٧٣]، وهكذا جميع الأنبياء يدعون قومهم: (اعْبُدُوا اللَّهَ)، فهي رسالة واحدة، وهي التوحيد.

وأما النظر فيما يصلح لكل أمة من أحكام شرعية، فهذه يختلف فيها الأنبياء، فهؤلاء يضيق الله عز وجل عليهم، فيحرم عليهم أشياء، ويضع عليهم آصاراً، وأولئك يخفف عنهم وينسخ عنهم، وهذا في أحكام التعبد لله سبحانه وتعالى، وإن كان الجميع يتوجهون إليه بالعبادة سبحانه وتعالى.

إذاً: هنا تختلف الشرائع، ولا تختلف الأديان، فأصل الدين واحد، وهو توحيد الله سبحانه وتعالى، فإنك تدين لربك سبحانه أنه هو الإله الواحد الذي يستحق أن يعبد، ولا يعبد إلا بما شرع، فإذا أمرك بالصلاة فصل كما أمرت، وقد أمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم في ليلة المعراج بأن يصلي خمسين صلاة، وإذا بموسى الكليم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام يقول لنبينا صلى الله عليه وسلم: (ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، فإن أمتك لا تقدر على ذلك، فيرجع إلى ربه فيسأله التخفيف، فخفف عنه ربنا ووضع عنه، حتى وصل الأمر إلى خمس صلوات في اليوم والليلة، فقال موسى لنبينا صلى الله عليه وسلم: ارجع إلى ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك.

قال: قد رجعت إلى ربي حتى استحييت، فقال الله سبحانه وتعالى: أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي، هن خمس وهن خمسون).

إذاً: فموسى أمر قومه بالصلاة، وقد كانوا يصلون بطريقة معينة، وقد علم موسى كيف أمرهم بذلك، ولم يطيقوا، وأمرنا الله عز وجل بالصلاة على هذه الهيئة التي نعرفها، وهي أشرف وأفضل الهيئات، أن نسجد فيها لله سبحانه وتعالى.

إذاً: فقد تختلف الشرائع بحسب مصالح العباد، وبحسب ما يصلح لهم، وبحسب حاجاتهم، ولكن الدين واحد، وهو دين الإسلام، قال الله سبحانه: {وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} [المائدة:٣] وقال تعالى: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} [الحج:٧٨] وملة إبراهيم هي دين الإسلام {هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ} [الحج:٧٨]، فهذا دين الإسلام، وهو: أن تسلم نفسك لله سبحانه، وتوجه قلبك إليه سبحانه، وتعمل بطاعته، وتنتهي عن معصيته، وتكون عبداً له تستشعر العبودية بين يديه سبحانه وتعالى.

هذا هو ديننا دين الإسلام، ودين الأنبياء والمرسلين قبل محمد صلى الله عليه وسلم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>