وفي النهاية يذكر الله عز وجل أنه أخذهم أخذ عزيز مقتدر، فقال:{فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ}[العنكبوت:٣٧] فأجمل هنا ما فصل في سورتي الأعراف وهود وغيرهما.
قال:(فكذبوه) إجمالاً، (فأخذتهم الرجفة) وزلزل الله عز وجل بهم الأرض من تحتهم، فأصبحوا في ديارهم جاثمين وجاءهم العذاب من عند الله سبحانه.
وقد قال هناك:{الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ}[الأعراف:٩٢](كأن لم يغنوا) أي: كأن لم يعيشوا وكأن لم يقيموا فيها أبداً وكأنهم لم يكونوا قبل ذلك، مضت أعوام وسنون وهم في هذا المكان كافرين بالله سبحانه وتعالى، فلما جاءتهم الرجفة أصبحوا في ديارهم جاثمين: من الجثوم، والجثوم: البروك على الركب وعلى الأقدام، فكأنهم حين جاءت عليهم الرجفة من رعبهم يلقون أنفسهم على الأرض ويأتيهم الموت وهم على ذلك.
قال تعالى:{فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ}[هود:٩٤] ومنها المجثمة: وهي الطائر الذي يربط في مكان ويحذف عليه بالسهام.
وكذلك يقال: جثم الطائر وجثم الأرنب، بمعنى: أنه لبد في المكان وأقام وألصق بطنه بالأرض؛ فكذلك هم أصبحوا في ديارهم جاثمين ملقون على الأرض باركين عليها أمواتاً، وجاءهم العذاب من عند رب العالمين.
ثم قال:{فَتَوَلَّى عَنْهُمْ}[الأعراف:٩٣] أي: شعيب عليه الصلاة والسلام: {وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ}[الأعراف:٩٣] أي: لا تستحقون أن أحزن عليكم، وكيف آسى عليكم وقد كفرتم بالله وقد حذرتكم فاستحققتم هذه العقوبة من ربكم؟ فلا آسى عليكم، ولا أحزن عليكم.