للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تفسير قوله تعالى: (والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة)]

أما الكفار فذكر أمرهم وحالهم ومآلهم، فقال: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [النور:٣٩].

فالكفار عملوا أعمالاً في الدنيا ظنوا أنها نافعتهم، فلما أتوا يوم القيامة صارت هباءً منثوراً، قال الله سبحانه: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان:٢٣].

وقد يفعل الكافر في الدنيا الأعمال الصالحة، فقد يحسن إلى جاره، وقد يفعل الخير، وقد يتصدق بصدقة، ولكن ذلك لا يقبل منه، إنما يوفيه الله به في الدنيا، ولا يدخر له شيئاً يوم القيامة.

فإذا جاء الكافر يوم القيامة جعل الله عمله هباءً منثوراً، والهباء هو ما يراه الإنسان في شعاع الشمس وهي داخلة من الكوة، وكذلك عمل الكافر يكون هباءً منثوراً لا قيمة له في يوم القيامة.

وذلك أن العمل لكي يكون مقبولا لا بد فيه من شرطين: الأول: الإخلاص، وهو أن يعمله لله وحده لا شريك له.

والثاني: المتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم.

فهذان شرطان لقبول العمل؛ فإذا أتى الإنسان بالعمل الخالص لله المتابع للنبي صلى الله عليه وسلم فيه قبله الله.

وأما الكافر: فقد امتنع أن يتابع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم عمل عملاً أشرك بالله فيه وعبد غيره، فالله أغنى الشركاء عن الشرك، فجعل أعمالهم التي عملوها وظنوا أنهم ينتفعون بها يوم القيامة كالسراب.

والسراب هو: الشيء الذي تراه في وقت الظهيرة في الصحراء المنبسطة أمامك كأنه ماء، فمن شدة الحر يسخن الهواء ثم تنعكس الأشعة، فتظن أن الأشعة المنعكسة فوق الأرض ماءً وليست ماءً.

والإنسان العطشان في الصحراء يجري وراء هذا السراب يظنه ماءً؛ فإذا وصل إلى مكانه لم يجده شيئاً، فكذلك الإنسان الكافر.

فقد كان في الدنيا يعمل أعمالاً يظن أنه يتقرب بها، وأنها صالحة، وأنها تنفعه، وقد رفض أن يتابع النبي صلى الله عليه وسلم، وأن يؤمن به، وأن يدخل في هذا الدين العظيم الذي ارتضاه الله عز وجل لعباده ولم يرض لهم غيره.

فلما رفض إذا بالله سبحانه لا يقبل منه عملاً، فقدموا يوم القيامة وأعمالهم كسراب بقيعة.

والقيعة والقاع: المنبسط من الأرض الصحراء، قال تعالى: {يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً} [النور:٣٩] أي: أن هذا الإنسان الظمآن الذي يكون في الصحراء يشتهي شُرْب الماء، فإذا رأى السراب جرى إليه ولهث حتى يصل فلا يجد شيئاً؛ وكذلك هذا الكافر يوم القيامة يظن أنه ينتفع بعمله فلا يقبل منه شي.

<<  <  ج:
ص:  >  >>