للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[عدم التحاكم إلى شرع الله من صفات المنافقين]

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحابته أجمعين.

قال الله عز وجل في سورو النور: {وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ} [النور:٤٧].

يخبرنا الله سبحانه وتعالى في هذه الآية عن المنافقين وكيف يتصرفون حين يدعون إلى الاحتكام لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

يحذرنا الله عز وجل من مثل هذه الأخلاق التي عليها هؤلاء المنافقون، فهم يقولون بألسنتهم: آمنا، ويقولون: سمعنا وأطعنا، وفي وقت الجد إذا بهم يندفعون عن الإيمان إلى ما يشتهون من هوىً ومن باطل.

فإذا كان الشيء الذي يطلبونه عند النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: نتحاكم إليه، وإذا لم يكن عند النبي صلى الله عليه وسلم ولن يعطيهم هذا الشيء -لأنهم يعرفون أنهم مبطلون- تحاكموا إلى غير النبي صلوات الله وسلامه عليه.

قال الإمام الطبري وغيره: (كان رجل من المنافقين اسمه بشر كانت بينه وبين رجل من اليهود خصومة في أرض، فدعاه اليهودي إلى التحاكم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان المنافق مبطلاً فرفض، وقال: إن محمداً يحيف علينا)، حاشا له صلوات الله وسلامه عليه، بل إن هذا المنافق كان ظالماً لليهودي، فانظروا إلى أهل النفاق كيف تخرج كلمة الكفر من ألسنتهم، فمهما أخفوا ما في قلوبهم فلا بد وأن تتلفظ الألسن بهذا الشيء الذين يبطنونه، ويظهر في فلتات الألسن منهم ذلك.

فاليهودي يقول له: تعال نتحاكم إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن اليهودي علم أن النبي صلى الله عليه وسلم سيحكم بالحق، وأنه نبي حقاً صلوات الله وسلامه عليه، وإن لم يعترف هذا اليهودي أنه نبي.

ولكن على كلٍ عرف اليهودي أنه صلى الله عليه وسلم لن يحكم إلا بالحق، وكان له حق فقال للمنافق: (تعال نذهب للنبي صلى الله عليه وسلم، فرفض المنافق وقال: تعال نذهب إلى كعب بن الأشرف) لأن الضلِّيل كعب بن الأشرف يهودي يقبل الرشوة، فهذا المنافق يذهب لليهودي فيعطيه الرشوة فيحكم له على أخيه اليهودي، لكن النبي صلى الله عليه وسلم سيحكم بالعدل وبالحق صلوات الله وسلامه عليه.

فالله عز وجل يعجب من أمر هؤلاء المنافقين الذين يقولون: آمنا بألسنتهم ولا يتجاوز الإيمان الألسن إلى القلوب، فقال تعالى مخبراً عنهم: {وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا} [النور:٤٧] هذه المقالة بالألسن.

ثم قال: ((ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ) فيسهل على المنافق أن يقول: لا إله إلا الله، لكن كونه ينفذ مقتضى لا إله إلا الله بأن يتحاكم إلى شرع الله عز وجل، فهذا ما لا يفعله المنافق إلا إذا كان الشرع في هذا الشيء سيوافق هواه، وإذا كان هو المظلوم والشريعة ستعطي له حقه ففي هذه الحالة يذهب ويقول: أريد الشريعة، فالحاكم الذي سيعطيه ما يهواه فهو تابع لهذا الذي يريد.

فهنا ربنا سبحانه وتعالى يقول: ((ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ)) أي: من بعد هذا القول.

ثم قال: ((وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ))، فالله عز وجل أخبر المؤمنين أن هؤلاء ليسوا من المؤمنين في شيء، فالذي يدعى إلى كتاب الله تعالى ليحكم بيننا ويرفض هذا الشيء فهذا ليس مؤمناً، وليس على دين النبي صلى الله عليه وسلم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>