قال الإمام القرطبي رحمه الله: اختلف العلماء في الادخار على أربعة أقوال، فروي عن علي وابن عمر من وجه صحيح أنه لا يدخر من الضحايا بعد ثلاث، وهذا جاء عنه صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح، وثبت عنه النسخ لهذا الحديث، فنهى عن ادخار لحوم الأضحية فوق ثلاث، وفي العام التالي سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال:(إنما نهيتكم من أجل الدافة)، وذلك أن جماعة من الأعراب نزلوا على النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة وكانوا في مجاعة، وكان أهل المدينة في العيد يذبحون، فرأى النبي صلى الله عليه وسلم أن الناس لو ذبحوا وأهدوا الثلث مثلاً وادخروا الباقي أو أهدوا النصف وادخروا الباقي فلن يكفي اللحم جميع من في المدينة من الأعراب ومن أهل المدينة الفقراء؛ فلذلك نهاهم ذلك العام عن الادخار فوق ثلاث، فكل من سيدخر من اللحم سيدخر لثلاثة أيام فقط، وتكون كمية قليلة، والباقي سيوزع على الناس، فيكفي الجميع، فلما سألوه في العام الذي يليه عن الادخار قال:(إنما نهيتكم من أجل الدافة)، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الادخار من أجل المواساة.
واختلف العلماء هل هذا الحكم يكون منسوخاً أو أن هذا الحكم موقوف على مثل هذه الحالة، ثم يرفع إذا انتهت هذه الحالة؟ يقول الإمام القرطبي: وهنا مسألة أصولية وهي الفرق بين رفع الحكم بالنسخ، ورفعه لارتفاع علته، فرفع الحكم بالنسخ معناه إلغاؤه، ولا يعود هذا الحكم مرة أخرى، ورفع الحكم لارتفاعه العلة معناه أنه يرجع برجوع العلة، فرفع الحكم بالنسخ مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم:(كنت نهيتكم عن زيارة المقابر، ألا فزوروها فإنها تذكر بالآخرة)، فالنهي عن زيارة القبور حكم منسوخ، يعني ارتفع تماماً ولا يعود مرة أخرى.
لكن قوله:(إنما نهيتكم لأجل الدافة)، هذا الحكم انتهى بانتهاء علته، فو رجعت العلة مرة أخرى يرجع الحكم مرة أخرى، فلو وجدت مجاعة في بلد، والناس عندهم أضاحي، فيأكلون منها ويدخرون ثلاثة أيام فقط، وليس لهم الادخار بعد ذلك، حتى يكفي المحتاجين.