إذا أراد أن يسجد يكبر ويقول: الله أكبر، ويسجد، ويرفع منها ويكبر؛ فإن جمهور العلماء ومنهم الأئمة الأربعة: أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد على أنه إذا كان في الصلاة يكبر ويسجد، ويكبر ويرفع، لكن الخلاف هل يرفع اليدين أو لا يرفع اليدين إلا إذا كان في الصلاة؟ فالذين رأوا أنه لا يرفع اليدين قالوا: الأصل في الصلاة أن الهوي للسجود لا يرفع فيه اليدين، وأنت في الصلاة ترفع اليدين عند إرادة الركوع ففقول: الله أكبر وتركع، وترفع من الركوع وتقول: سمع الله لمن حمده، وترفع اليدين معها، فإذا نزلت للسجود فليس هناك رفع اليدين إلا على الندرة؛ فإن رفع اليدين جاء عنه صلى الله عليه وسلم في بعض الروايات، فأحياناً كان النبي صلى الله عليه وسلم يرفع اليدين مع السجود، فعلى ذلك إذا سجد وهو في الصلاة يكبر، وعليه الأئمة الأربعة كما ذكرنا، وإن شاء رفع اليدين، وإن كان الأغلب عدم رفع اليدين فيه، وأما في غير الصلاة هل يكبر أو لا يكبر؟ فيه خلاف؛ فذهب الإمام مالك رحمه الله وحده إلى أنه لا يكبر في غير الصلاة، فجاء عنه أنه قال: إذا كان في الصلاة كبر، واختلف عنه في غير الصلاة، يعني: البعض يروي عن مالك أنه يكبر، والبعض يروي عنه أنه لا يكبر.
إذاً: إذا كان في الصلاة فالأئمة الأربعة على أنه يكبر إذا نزل لسجود التلاوة، ويكبر إذا رفع منها، وما هو دليلهم على التكبير؟ قالوا: إن كان في الصلاة فهذه هيئة من هيئات الصلاة، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكبر في كل خفض في الصلاة ورفع، إلا ما استثني من الرفع في قوله: سمع الله لمن حمده، فليس تكبيراً، وعلى ذلك الأئمة الأربعة على أنه في الصلاة يفعل ذلك، أما ما جاء من حديث ابن عمر أنه قال:(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا القرآن فإذا مر بالسجدة كبر وسجد وسجدنا معه) فهذا الحديث رواه الإمام أبو داود عن ابن عمر، والذي روى هذا الحديث اثنان من التابعين: أحدهما: عبد الله بن عمر العمري وهو ضعيف في حفظه، والآخر أخوه عبيد الله بن عمر العمري وهو ثقة، فـ عبيد الله لم يذكر (كبر)، وأخوه ذكرها، قال عبد الرزاق: كان الثوري يعجبه هذا الحديث، أي: يعجبه الحديث الذي فيه التكبير؛ لأن فيه التكبير، وإن كان راويه فيه ضعف في حفظه، قال أبو داود: كان يعجبه -يعني: الثوري - لأنه كبر.
والحديث في سنده ضعف، ولكن يغني عن ذلك عموم حديث:(أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر مع كل خفض ورفع)، وهذا صح عنه صلوات الله وسلامه عليه، فالحجة أنه كان صلى الله عليه وسلم يكبر مع كل خفض ورفع.
إذاً: إذا كنت في الصلاة فكبر واسجد، وإذا كنت في غيرها فقياساً عليها أيضاً تكبر وتسجد، وتكبر وترفع إن كنت في الصلاة لحديث:(أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر مع كل خفض ورفع).