[مراحل وأطوار خلق الإنسان في بطن أمه]
وجاء في الحديث الذي رواه الإمام مسلم من حديث عامر بن واثلة أنه سمع عبد الله بن مسعود يقول: الشقي من شقي في بطن أمه، والسعيد من وعظ بغيره.
أي: أنه قد علم الله عز وجل وقدر عنده أن هذا سيدخل النار يوماً من الأيام لأنه شقي، والسعيد أيضاً قدر الله عز وجل وعلم أن هذا الإنسان يكون سعيداً، ونفعته المواعظ في الدنيا، والسعيد من وعظ بغيره.
فلما سمع عامر بن واثلة ذلك من ابن مسعود ذهب إلى رجل آخر من الصحابة اسمه حذيفة بن أسيد رضي الله عنه، فحدثه بقول ابن مسعود وقال: وكيف يشقى الرجل بغير عمل؟ فقد تعجب كيف أنه وهو في بطن أمه مكتوب أنه شقي، كأنه يقيس علم الله على علم البشر، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فالله علمه علم شامل ومحيط سبحانه، علم قبل أن يخلق الخلق ما هم عاملون، ومن أي شيء يكونون، وإلى أي شيء يصيرون، وهل سيعملون بعمل أهل الجنة أو بعمل أهل النار، وكتب عنده ذلك وقدر ما شاء من تقديره سبحانه وتعالى.
فلما سأل ابن واثلة حذيفة بن أسيد قال: أتعجب من ذلك؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكاً فصورها وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظامها، ثم قال: يا رب! أذكر أم أنثى؟ فيقضي ربك ما شاء ويكتب الملك، ثم يقول: يا رب! أجله؟ فيقضي ربك ما شاء ويكتب الملك، ثم يقول: يا رب! رزقه؟ فيقضي ربك ما شاء ويكتب الملك، ثم يخرج الملك بالصحيفة في يده فلا يزيد على ما أمر ولا ينقص).
فهذا الحديث العظيم عن النبي صلى الله عليه وسلم يبين لنا خلق هذا الإنسان، وهو حديث سبق الطب بألف وأربعمائة سنة، فمن كان يعرف أن هذا الإنسان يصور في بطن أمه على هذه الصورة؟ قال صلى الله عليه وسلم: (إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة) أي: ستة أسابيع، فالنطفة تخرج من الذكر وتدخل في الأنثى ويمر عليها ستة أسابيع، قال صلى الله عليه وسلم: (يبعث الله عز وجل إليها ملكاً فصورها) فيكون تصوير الإنسان في هذا الوقت.
وفي الحديث الآخر: (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعة أشهر) فذكر أربعة وأربعة وأربعة، وذكر النبي صلى الله عليه وسلم أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، فذكر النبي صلى الله عليه وسلم مائة وعشرين يوماً.
فهو في هذا الحديث أجمل: أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، لكن الحديث السابق يعطي تفصيلاً أكثر، فهو يخبرنا أنه في يوم الاثنين والأربعين يأتي الملك إلى هذه النطفة ويبدأ بتشكيلها؛ ولذلك يقول أهل الطب: يبدأ تشكيل الإنسان في الأسبوع السادس، أي: بعد اليوم الثامن والثلاثين، وفي الحديث الآخر: (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك).
فالنطفة هي التي تصير إلى علقة، والعلقة تصير إلى مضغة، ففي ليلة ثنتين وأربعين يشكله الله عز وجل كما يشاء، كما يذكر النبي صلوات الله وسلامه عليه في هذا الحديث.
ويأتي الملك ليكتب ما يريده الله سبحانه وتعالى، قال رسول الله صلوات الله وسلامه عليه: (فصورها وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظامها)، فيبدأ خلقه في يوم اثنين وأربعين وفيما يلي ذلك، ولا ينفخ فيه الروح في خلال هذه الفترة، حتى إذا أتم أربعة أشهر نفخ فيه الروح بعد ذلك، فيكون قد مكث أربعة أشهر وبعد ذلك أربعة أشهر أو خمسة ويولد هذا الإنسان، فيكون قضاؤه وقدره قد كتب في اليوم الثاني والأربعين، وإن كان عند الله عز وجل قبل أن يخلق الخلق مكتوب ما كان وما يكون إلى يوم القيامة.
ويحدد جنس الجنين بعد ذلك، ولذلك إذا سقط قبل ذلك فلا يعرف هل هو ذكر أم أنثى؟ حتى يشاء الله سبحانه وتعالى فيقضي بذكر أو أنثى، فيكون التحديد من الله سبحانه وتعالى في الوقت الذي يريده سبحانه وتعالى.