[تفسير قوله تعالى: (ومن نعمره ننكسه في الخلق أفلا يعقلون)]
قال الله سبحانه: {وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ} [يس:٦٨].
{وَمَنْ نُعَمِّرْهُ} [يس:٦٨]، من نعطيه عمراً يعيش حتى يجاوز الستين السبعين الثمانين المائة، إذا عمرناه نكسناه، والإنسان في حياته يمشي في منحنى سنه وهو صغير من الصفر، ثم يستمر في الزيادة إلى أن يعلو إلى أقصى قوته وشبابه وصحته، ومن ثم يأتي منحنى النزول بعد ذلك حتى يصل إلى الصفر، ويدخل إلى قبره.
فالإنسان كلما ازداد عمره في طاعة الله كلما كان خيراً له، فيستغل الإنسان حياته وصحته وشبابه في أن يعبد الله سبحانه، وإذا اكتمل الشباب واكتمل للإنسان القوة فما بعد الكمال إلا النقصان، فبعدما كان يقدر على أن يصلي قائماً يصلي قاعداً، بعدما كان يصلي قاعداً يصلي وهو مضطجع، بعدما كان يعقل الصلاة يتوه فيها ولا يستطيع أن يقرأ شيئاً، وينسى الصلاة، ويقول له أولاده: صل، كبر، قل باسم الله، قل كذا.
{وَمَنْ نُعَمِّرْهُ} [يس:٦٨] يعمر عمراً طويلاً في النهاية {نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ} [يس:٦٨]، يرد إلى أرذل العمر.
وانظر إلى الفرق بين الصبي الصغير والشيخ الكبير، الصبي الصغير يحبه أهله ويعذرونه فيما يخطئ به، ولكن الشيخ الكبير يتململ منه الكل، لا أحد يطيقه، إذا أخطأ فهو غير مقبول عندهم، إذا مرض لا أحد ينظر إليه، فانظر إلى الفرق بين الصغير والكبير، فالشيخ الكبير وصل إلى مرحلة في العقل كالصبي الصغير لا يفهم.
ولكن هذا مستحسن في الصبي ومستقبح في الكبير، وقد سماه الله عز وجل أرذل العمر.
{وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ} [يس:٦٨]، والتنكيس القلب، والكوز المنكس بمعنى: المقلوب المجخى.
(نُنَكِّسْهُ) هذه قراءة عاصم وحمزة.
وباقي القراء يقرءونها: (نَنْكُسُهُ)، أي: نرده ونقلبه مرة ثانية إلى مرحلة عدم العقل وعدم الفهم، والنسيان والضعف، فيصبح ضعيفاً شيخاً كبيراً ينسى كثيراً.
{أَفَلا يَعْقِلُونَ} [يس:٦٨]، يريدون أن يعيشوا عمراً طويلاً، ماذا يريدون من الحياة، ومن نعمره هذا حاله.
لذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ بالله أن يرد إلى أرذل العمر، ويقول: (أعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر)، فيتعوذ بالله سبحانه تبارك وتعالى من ذلك.
وأيضاً كان يخبر أصحابه ويقول: (خيركم من طال عمره وحسن عمله)، طالما الإنسان في خير وعبادة لله وطال عمره كان خيراً له، والإنسان الذي هو في المعاصي يرده الله عز وجل إلى أرذل العمر فينكسه الله سبحانه ويصير عبرة للخلق.
(أفلا يعقلون) وهذه قراءة الجمهور.
ويقرؤها نافع وأبو جعفر وابن عامر بخلفه ويعقوب: (أفلا تعقلون)، فهما قراءتان، (أفلا يعقلون) على الغيب لهؤلاء، (أفلا تعقلون) على الخطاب للجميع، أي: (أفلا تعقلون) ما بصرناكم فتعملون لهذا اليوم.
نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم.
وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.