[تفسير قوله تعالى:(وإن ربك لذو فضل على الناس ولكن أكثرهم لا يشكرون)]
قال الله تعالى:{وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ}[النمل:٧٣]، أي: أن نعم الله عظيمة، والنبي صلى الله عليه وسلم لعله ضاق صدره من هؤلاء الكفار، ومن أذاهم له، فقال له الله عز وجل:((وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ))، فلا تستعجل، لعل الله عز وجل يتفضل على بعض هؤلاء، فيؤمنوا ويدخلوا في دينك، وبالفعل فقد أسلم كثير من هؤلاء الكفار، سواء قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم كعمر بن الخطاب رضي الله عنه، أو بعد هجرته ثم هاجروا إليه، أو بعد ما فتحت مكة، وحسن إسلامهم، كـ أبي سفيان الذي كان شيخ قريش في الجاهلية، وكان من أشد الناس أذى للنبي صلى الله عليه وسلم ولمن معه من المؤمنين، ثم أسلم بعد ذلك، وحسن إسلامه رضي الله تعالى عنه.
فربنا يقول:((وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ))، فمن فضل الله عز وجل على الناس أن جعل درجات عالية في الجنة، لا ينالها الإنسان بعمله فقط، ومهما عمل فلن يصل إليه، ولكن الله يرفعه إليها بالابتلاء والصبر، فالنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنون يصبرون، -والصبر لا يكون إلا على البلاء، أو الجهاد في سبيل الله سبحانه- فيرفعهم الله بهذا الصبر درجات.
إن الله خلق العباد فمنهم كافر ومنهم مؤمن، وأفعال الله عز وجل كلها خير، خلق الكافر وهو شر، ولكن وجوده خير للمؤمن، ليدعوه إلى دين الإسلام، فإما أن يستجيب فيحصل على الأجر العظيم، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:(لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك مما طلعت عليه الشمس) أو أنه لا يستجيب، فيحارب ويقاتل المسلم فيقتل المسلم فيكون شهيداً، أو يغلب المسلم فيكون له الأجر عند الله والغنيمة، فكل أفعال الله عز وجل خير لو تفكر الإنسان.
يقول الله سبحانه:((وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ))، أي: يتناسون نعم الله، وقد ذكرنا بهذه النعم في الآيات السابقة.
قوله تعالى:((وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ)) أي: أكثر الناس، ((لا يَشْكُرُونَ))، نعم الله عز وجل عليهم.